كتاب الصفات الإلهية في الكتاب والسنة النبوية في ضوء الإثبات والتنزيه

الذات يؤدي إلى تعدد القدماء. وهو ينافي التوحيد، والمراد بالتوحيد هنا "التوحيد" في مفهوم المعتزلة الذي سيأتي ذكره وتفسيره عند الكلام على أصولهم الخمسة المعروفة1، وهو مفهوم خاطئ كما لا يخفى على كل من له إلمام بالموضوع.
بل الممنوع الذي لا يساير التوحيد الصحيح هو إثبات ذوات قديمة لا إثبات ذات موصوفة بصفات الكمال. قال صاحب المواقف: "إن الكفر إثبات ذوات قديمة لا إثبات ذات وصفات"2، وشبهة المعتزلة -كما ترى- شبهة واهية وغير معقولة، إذ لا يتصور عقلاً، موجود في الخارج وهو مجرد عن الصفات، وعلى هذا يكون وجود واجب الوجود عندهم وجوداً ذهنياً لا خارجياً. تعالى الله عما زعموا علواً كبيراً.
وأما علم حقيقة ذاته وكيفيتها فأمر لا سبيل إليه لأي مخلوق، إذ ليس من الجائز أن يحيط المخلوق بالخالق علماً وإدراكاً لحقيقته ذاتاً ووصفاً، وصدق الله حيث يقول: {وَلاَ يُحِيطُونَ بِهِ عِلْمًا} 3، {وَمَا أُوتِيتُم مِّن الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً} 4، قال صاحب المواقف: "إن ذاته مخالفة لسائر الذوات، فهو منزه عن المثل والند، تعالى عن ذلك علواً كبيراً"، ثم قال: "قال قدماء المتكلمين: ذاته تعالى مماثلة لسائر الذوات وإنما تمتاز عن سائر الذوات بأحوال أربعة:
1- الوجوب
2- الحياة.
3- العلم التام
وعند أبي هاشم تمتاز بحالة خامسة وهي الموجبة لهذه الأربعة يسمونها
__________
1 انظر ص: 147.
2 الأيجي في المواقف ص: 280.
3 سورة طه آية: 110.
4 سورة الإسراء آية: 85.

الصفحة 70