كتاب إشكال وجوابه في حديث أم حرام بنت ملحان

4- حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ أَنَّ نَفَرًا مِنْ بَنِي هَاشِمٍ دَخَلُوا عَلَى أَسْمَاءَ بِنْتِ عُمَيْسٍ فَدَخَلَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ - وَهِيَ تَحْتَهُ يَوْمَئِذٍ - فَرَآهُمْ فَكَرِهَ ذَلِكَ فَذَكَرَ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - وَقَالَ: لَمْ أَرَ إِلا خَيْرًا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: ((إِنَّ اللَّهَ قَدْ بَرَّأَهَا مِنْ ذَلِكَ)) ثُمَّ قَامَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - عَلَى الْمِنْبَرِ فَقَالَ: ((لا يَدْخُلَنَّ رَجُلٌ بَعْدَ يَوْمِي هَذَا عَلَى مُغِيبَةٍ (¬1) إِلا وَمَعَهُ رَجُلٌ أَوْ اثْنَانِ)) (¬2) .
¬__________
(¬1) المُغِيبَة -بضم الميم، وكسر الغين المعجمة، وإسكان الياء- هي: التي غاب عنها زوجها، والمراد غاب زوجها عن منزلها سواء غاب عن البلد بأن سافر أو غاب عن المنزل وإن كان في البلد. قاله النوويُّ في شرح صحيح مسلم (14/155) .
(¬2) أخرجه: مسلم في صحيحه، كتاب السلام (4/1711رقم2173) وهذا لفظه، وفي روايةٍ للنسائي في السنن الكبرى (5/104) ، والطبرني في المعجم الأوسط (8/339) ، والبيهقي في شعب الإيمان (4/370) ((أنَّ أبا بكر الصديق تزوج أسماء بنت عميس بعدَ جعفر بنِ أبي طالب..)) .

قال القرطبيُّ في المفهم (5/502) : ((كان هذا الدخول في غيبة أبي بكر - رضي الله عنه - لكنه كان في الحضر لا في السفر، وكان على وجه ما يعرف من أهل الخير والصلاح، مع ما كانوا عليه قبل الإسلام مما تقتضيه مكارم الأخلاق من نفي التهمة والرّيب، غير أنَّ أبا بكر - رضي الله عنه - أنكر ذلك بمقتضى الغَيْرة الجِبِلّيّة، والدّينية.. ولمّا ذكر ذلك للنبي - صلى الله عليه وسلم - قال ما يعلمه من حال الداخلين والمدخول لها - قال: لم أر إلاّ خيراً، يعني: على الفريقين، فإنه علم أعيان الجميع؛ لأنهم كانوا من مسلمي بني هاشم، ثمّ خصّ أسماء بالشهادة لها فقال:" إِنَّ اللَّهَ قَدْ بَرَّأَهَا مِنْ ذَلِكَ" أي: مما وقع في نفس أبي بكر، فكان ذلك فضيلةً عظيمةً من أعظم فضائلها..ومع ذلك فلم يكتف بذلك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى جمع الناسَ، وصعد المنبر، فنهاهم عن ذلك، وعلمهم ما يجوز منه فقال:"لا يَدْخُلَنَّ رَجُلٌ عَلَى مُغِيبَةٍ إِلا وَمَعَهُ رَجُلٌ أَوْ اثْنَانِ"، سداً لذريعة الخلوة، ودفعاً لما يؤدي إلى التهمة، وإنما اقتصر على ذكر الرجل والرجلين لصلاحية أولئك القوم؛ لأنَّ التهمة كانت ترتفع بذلك القدر، فأمّا اليوم فلا يكتفى بذلك القدر، بل بالجماعة الكثيرة لعموم المفاسد، وخبث المقاصد، ورحم الله مالكاً لقد بالغ في هذا الباب ... )) . إلى آخر ما قاله من كلام نفيسٍ، وبحقٍ فإنّ شرحه وتعليقه على "صحيح مسلم" يفوق شرح النووي في مواضع كثيرة، والله أعلم.
وقوله: ((فأمّا اليوم فلا يكتفى بذلك القدر، بل بالجماعة الكثيرة لعموم المفاسد ... )) . أقول: الإمامُ القرطبيُّ-أبو العباس أحمد بن عمر بن إبراهيم المولود سنة 578- مات سنة 656 ويقول هذا عن زمانه!، فماذا تُرانا نقول ونحن نعيش في القرن الخامس عشر!، والذي أصبح للعريّ فيه ثقافة!، وأصبحت أجساد النساء سلعا لتجار الشهوات يتفنون في تسويقها عن طريق وسائل الأعلام المتنوعة التي يشاهدها ملايين البشر، رُحماكَ ربِّ.
قال شيخنا المُحدّث عبد الله السعد-وفقه الله-: ((لعل السبب في دخولهم عليها-والعلم عند الله عز وجل- أنها كانت زوجاً لجعفر بن أبي طالب حتى استشهد، فلعل هؤلاء النفر من بني هاشم أقارب لجعفر أرادوا صلة أولاد جعفر من أجل قرابتهم لجعفر، وعلاقة أسماء بنت عميس ببني هاشم وثيقة فقد كانت أخت ميمونة بنت الحارث - زوج النبي - صلى الله عليه وسلم - لأمها، وأخت لبابة أم الفضل زوج العباس بن عبد المطلب لأمها أيضاً، وقد جاء في خبر مرسل أنَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - زوّج أبا بكر - رضي الله عنه - أسماء بنت عميس يوم حنين، وقد تزوجها علي - رضي الله عنه - بعد أبي بكر، وهذا كله يدل على علاقة أسماء بنت عميس ببني هاشم، ومع هذه العلاقة الوثيقة أنكر أبو بكر - رضي الله عنه - دخولهم وأخبر الرسول - صلى الله عليه وسلم - فخطب الناس)) .

الصفحة 36