كتاب إشكال وجوابه في حديث أم حرام بنت ملحان

قُلْت: لَا حَاجَةَ إِلَى هَذَا اَلتَّأْوِيلِ فَإِنَّ بَيْت أُمّ حَرَام وَأُمّ سَلِيم وَاحِد وَلَا مَانِع أَنْ تَكُونَ اَلْأُخْتَانِ فِي بَيْتٍ وَاحِدٍ كَبِيرٍ لِكُلٍّ مِنْهُمَا فِيهِ مَعْزِل فَنُسِبَ تَارَةً إِلَى هَذِهِ وَتَارَةً إِلَى هَذِهِ)) (¬1) .
قلتُ: ما أجاب به اَلْحُمَيْدِيّ واِبْن اَلتِّينِ يتضمن تفسيراً لقوله (فَقِيلَ لَهُ فِي ذَلِكَ) فإنَّه سؤالٌ عن سبب دخوله عليها، ولا يجوز أنْ يكون سؤالاً عن سبب دخوله عليها لكونها أجنبيةً منه، فإنَّ ذلك لا يناسبه ما أجاب به - صلى الله عليه وسلم - من قوله (إِنِّي أَرْحَمُهَا قُتِلَ أَخُوهَا مَعِي) فتعين أن يكون السؤال عن غير هذا.
ومن أحسن ما قيل في ذلك ما استظهره اَلْحُمَيْدِيّ واِبْن اَلتِّينِ من أنَّ السؤال عن كثرة الدخول عليها.
قَالَ النَّوَوِيّ: ((قَوْله: (كَانَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يَدْخُلُ عَلَى أَحَدٍ مِنْ النِّسَاء إِلَّا عَلَى أَزْوَاجه إِلَّا أُمّ سُلَيْمٍ , فَإِنَّهُ كَانَ يَدْخُلُ عَلَيْهَا , فَقِيلَ لَهُ فِي ذَلِكَ , فَقَالَ: إِنِّي أَرْحَمُهَا قُتِلَ أَخُوهَا مَعِي) قَدْ قَدَّمْنَا فِي كِتَاب الْجِهَاد عِنْد ذِكْر أُمّ حَرَام أُخْت أُمّ سُلَيْمٍ أَنَّهُمَا كَانَتَا خَالَتَيْنِ لِرَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَحْرَمَيْنِ إِمَّا مِنْ الرَّضَاع , وَإِمَّا مِنْ النَّسَب , فَتَحِلُّ لَهُ الْخَلْوَة بِهِمَا , وَكَانَ يَدْخُلُ عَلَيْهِمَا خَاصَّةً , لَا يَدْخُلُ عَلَى غَيْرهمَا مِنْ النِّسَاء إِلَّا أَزْوَاجه. قَالَ الْعُلَمَاء: فَفِيهِ جَوَاز دُخُول الْمَحْرَم عَلَى مَحْرَمه , وَفِيهِ إِشَارَة إِلَى مَنْع دُخُول الرَّجُل إِلَى الْأَجْنَبِيَّة. وَإِنْ كَانَ صَالِحًا , وَقَدْ تَقَدَّمَتْ الْأَحَادِيث الصَّحِيحَة الْمَشْهُورَة فِي تَحْرِيم الْخَلْوَة بِالْأَجْنَبِيَّةِ. قَالَ الْعُلَمَاء: أَرَادَ اِمْتِنَاع الْأُمَّة مِنْ الدُّخُول عَلَى الْأَجْنَبِيَّات)) (¬2) .
قَالَ العينيُّ: ((قَالَ الكرمانيّ: كيف صار قتل الأخ سبباً للدخول على
¬__________
(¬1) فتح الباري (6/51) .
(¬2) شرح النووي على صحيح مسلم (16/10) .

الصفحة 68