كتاب الاتصال والانقطاع

عاصم الأحول، عن أبي عثمان النهدي، عن جرير بن عبدالله مرفوعاً: " تبنى مدينة بين دجلة ودجيل ... "، وهو حديث موضوع، وظاهر إسناده القوة، فقال الخطيب في نقده: "أحسب أنه وقع إليه (يعني إلى أبي شهاب) حديث عاصم، من جهة عمار بن سيف، أو سيف بن محمد، أو محمد بن جابر، فرواه عن عاصم مرسلاً، لأن الحسن بن الربيع لم يذكر عنه الخبر فيه، والله أعلم" (¬١).
وعبد ربه بن نافع لم يوصف بالتدليس، وهو يروي عن عاصم الأحول، لكن الحديث موضوع، فلجأ الخطيب إلى رميه بأنه ارتكب التدليس في هذا الحديث (¬٢).
وأعيد ما ذكرته آنفاً من أن الرمي بالتدليس عند ترجيح وقوعه لأمر ظاهر لا ينبغي أن يقصر على المدلسين، وهو أمر في غاية الأهمية، ومن المواضع التي يحس فيها الناقد بذوق هذا الفن، ويبتعد فيه عن الاكتفاء بظواهر الأمور.
وقد يقول قائل: هذا الموضوع لا جديد فيه، لأن الناقد المتقدم إذا ضعف حديثاً بتدليس معنعن فهذا هو وصفه بالتدليس، ويكون الراوي مدلساً، فيعود الأمر إلى التعليل بتدليس مدلس، وليس بوقوع التدليس من غير المدلس.
والجواب: أن من لم يعرف بالتدليس إذا عنعن، وظهر للناقد أن الحديث خطأ، ولجأ إلى تعليله بتدليس الراوي، فإنه يفعل ذلك التماساً لعلة يسقط بها الحديث، وهو يفعل ذلك مع تردده في وقوع التدليس، لاحتمال أن يكون وقع
---------------
(¬١) "تاريخ بغداد ١: ٣٦، وانظر: " العلل ومعرفة الرجال " ٢: ٥٠.
(¬٢) "تهذيب التهذيب" ٦: ١٢٨.

الصفحة 374