كتاب الاتصال والانقطاع
والذي يهمنا هنا في النظر إلى هذه الأسانيد الأربعة هو شرط الاتصال، والإرسال منه على وجه الخصوص، وسأحاول تلخيص الكلام فيه بحيث يدرك القارئ بسهولة انتظامه مع القضية العامة، وهي النزول عن الشروط كلها.
وخلاصة الكلام أن إخراج البخاري لأسانيد قليلة لم يعلم فيها سماع الراوي ممن روى عنه إنما هو نزول عن شرطه وهو العلم بالسماع، ولا دلالة فيه مطلقاً على أنه لا يشترطه، فمن الجناية على هذا الإمام أن تذهب جهوده العظيمة التي تمثلت في الحرص على تتبع السماع، وفي التزامه بذلك في " صحيحه "، حتى أنه ربما ذكر أسانيد الغرض منهما إثبات السماع (¬١)، وفي إعراضه عن عشرات الأسانيد التي هي على شرط الصحيح لولا عدم العلم بالسماع، من الجناية عليه أن تذهب هذه الجهود بمجرد وقوفنا في أثناء مئات الأسانيد على بضعة أسانيد لم يعلم فيها السماع، مع وجود مخارج صحيحة لها غير كونه لا يشترط العلم به.
وعندما أقول بأنه أخرج هذه الأسانيد القليلة نازلاً بها عن شرطه فإني لا أقول ذلك جزافاً، بغرض التخلص منها، وإنما أقوله اعتماداً على دليل ظاهر جداً، وخلاصته أننا نجد أسانيد في " صحيح البخاري " ظاهرة الانقطاع بالاتفاق، ويلزم على صنيع هؤلاء الباحثين في استدلالهم بإخراج البخاري للأربعة الأسانيد السابقة على أن البخاري لا يشترط العلم بالسماع - أن يكون البخاري لا يشترط الاتصال أصلاً، وقد وقع إلزام البخاري بهذا فعلاً، كما
---------------
(¬١). " صحيح البخاري " حديث (١٠)، (٤٨٤١ - ٤٨٤٢)، وانظر: " هدي الساري "
ص ١٤.
الصفحة 387
504