كتاب الاتصال والانقطاع
خشباً أسود حسبه حديداً" (¬١).
ومثل ما يقال في الإرسال يقال في تدليس الراوي عمن سمع منه، سواء بسواء، ففي "الصحيحين" أحاديث للمدلسين ليس فيها تصريح بالسماع، وإنما أخرجها الشيخان لأسباب خاصة، كأن تكون في المتابعات، أو الشواهد، أو في غير المرفوع، ولا يبعد أيضاً أن يكون فاتهما فأخرجا شيئاً وقع فيه تدليس، وقد تقدم في المبحث الرابع من الفصل الثالث أنهما أخرجا أحاديث فيها تصريح بالسماع، وأعلت مع ذلك بالتدليس.
وقد تقدم أيضاً في المبحث الخامس من الفصل الثالث شرح طريقة البخاري في تخريج أحاديث المعروفين بالتدليس، مثل هشيم، والأعمش، وقتادة.
وعلى هذا فلا يصح أبداً أن يلتقط باحث بضعة أسانيد في "الصحيحين" فيها عنعنة مدلس، ثم يبني عليه أن منهج النقاد في تعاملهم مع أحاديث المدلسين أنهم لا يلتفتون للتدليس إلا إذا ظهر ذلك في الحديث المعين.
وقد رأيت أحد الإخوة الباحثين ممن ينتصر لهذا الرأي يفعل هذا، ومن أمثلة ما ذكره والاستدلال به غير صحيح أنه ذكر أن جمهور النقاد وصفوا عمر ابن علي المقدمي بالتدليس (¬٢)، وأن البخاري قال: "لا أعرف أن عمر بن علي يدلس" (¬٣)، ثم قال الباحث: "وقد احتج (يعني البخاري) بأحاديث له معنعنة لم
---------------
(¬١). "مسند أحمد" ٥: ٨٠، ٤٥٦، و"الأدب المفرد" حديث (١١٦٨).
(¬٢). "طبقات ابن سعد" ٧: ٢٩١، و"تاريخ الدوري عن ابن معين" ٢: ٤٣٣، و"الجرح والتعديل" ٦: ١٢٤، و"علل ابن أبي حاتم" ١: ١٦٦.
(¬٣). " العلل الكبير" ١: ١٩١.
الصفحة 403
504