كتاب الاتصال والانقطاع

من إنجاز هذه المؤلفات، فلجؤوا إلى الأحكام الجزئية التي تفيد الفراغ من بعض مراحل الدراسة، فربما اكتفوا بالحكم على رواة الإسناد، وربما تجاوزوه إلى دراسة الاتصال والانقطاع، فيعطون الإسناد وصفاً كما في القسم الأول هنا، أو يصدرون حكماً كما في القسم الثاني هنا، فكثر من هؤلاء الأئمة كثرة بالغة لا حصر لها قولهم: إسناده صحيح، إسناده ضعيف، إسناه حسن، إسناده صحيح إن سلم من كذا ... الخ، وربما جمعوا بين هذا وبين القسم الأول فيقولون: إسناده صحيح، رجاله ثقات، وإسناده متصل.
ثم عمّ وطمّ هذا الصنيع في الوقت الحاضر، بحكم انتشار الرسائل العليا للماجستير والدكتوراه، ومطالبة الأقسام للباحثين بإصدار أحكام على الأسانيد، من متخصصين وغيرهم، والاكتفاء منهم بذلك، نظراً لصعوبة المراحل اللاحقة، يضاف إلى ذلك انتشار تحقيق الكتب وما يصاحب ذلك من عجلة في الإخراج.
لكن العلماء ـ في كتب علوم الحديث ـ نبّهوا إلى أن هذا الحكم ليس بحكم نهائي، وأنه ينبغي التفريق بين: إسناده صحيح، فهذا حكم بتوافر ثلاثة شروط فقط، وبين: حديث صحيح، فهذا حكم بعد استكمال خطوات تصحيحه، ومثله الحسن (¬١)، فما قال فيه الباحث: إسناده صحيح، في كثير من الأحيان يتبين له فيما بعد أن الإسناد ضعيف، إما لأن فيه انقطاعاً وإن كانت صورته صورة الاتصال، أو لأنه مخطئ في تسمية رجل وأنه ليس هذا الثقة وإنما هو شخص آخر ضعيف اشترك معه في الاسم، أو يتبين أن أحد هؤلاء الثقات وإن كان ثقة
---------------
(¬١) "مقدمة ابن الصلاح" ص ١١٣، و"فتح المغيث" ١: ١٠٦.

الصفحة 451