كتاب البيوع المحرمة والمنهي عنها

في مدة الرضاع بخلاف الدم، فإنه لا تتعلق به هذه الحرمة بين المتناولين له على فرض حدوث ذلك التناول1.
ولهذا فقد أجمع أهل العلم على أن لبن الآدميات باعتباره جزءاً منفصلاً عن جسم الآدمي فإنه يمكن الانتفاع به في الشرع، وذلك لورود آيات بينات في هذا المعنى، ومن ذلك قوله تعالى: {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ} 2، وقوله سبحانه: {فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ} 3 هذا فضلاً عن أن العرف والعادة يقرران أن اللبن بطبيعته مخصص للخروج من جسم المرأة لينتفع به4.
ورغم هذا فقد اختلف الفقهاء بشأن مدى إمكان تعلق العقود - خاصة البيع - بلبن الآدميات، وسبب هذا الاختلاف أنهم لم يتفقوا على تحديد طبيعة ذلك اللبن، مع اختلافهم كذلك في طبيعة جواز الشرع للانتفاع به، وهل هذا جواز مطلق أم أنه مقرر في حالة الضرورة فقط؟ 5.
والفقهاء متفقون على جواز الانتفاع بلبن الآدميات عن طريق إجارة الظئر، وهي وسيلة عقدية تعني أن المرأة تستطيع أن تلزم نفسها بإرضاع طفل لا تلتزم شرعاً بإرضاعه وذلك في نظير حصولها على أجر.
فقد جاء في الاختيار لتعليل المختار: " ... ويجوز استئجار الظئر بأجرة معلومة ويجوز بطعامها وكسوتها وليس للمستأجر أن يمنع زوجها من وطئها ... "6.
وقد نص الشيخ الدردير في الشرح الصغير على جواز إجارة الظئر فقال: "وكجواز
__________
1 فتوى لجنة الأزهر والمنشورة بمجلة الأزهر المجلد الرابع صفحة 521 عام 1962.
2 سورة البقرة: الآية 233.
3 سورة الطلاق: الآية 6.
4 بدائع الصنائع 4/209.
5 مدى مشروعية التصرف في جسم الإنسان للدكتور/أسامه السيد عبد السميع صفحة 202.
6 عبد الغني الغنيمي 1/259.

الصفحة 431