كتاب البيوع المحرمة والمنهي عنها

وقالوا: إن اللبن جزء من الآدمي لا يباح الانتفاع به على الإطلاق، وأن تغذية الطفل به تقرر لضرورة فلا يتوسع فيها حيث كانت مشروعيتها استحساناً تسوغها ضرورة المحافظة على حياة الطفل، فعقد البيع على هذا يختلف عن الرضاعة فلا يقاس عليه في الحكم وهو الجواز، وقالوا إنه مائع خارج من آدمية فلم يجز بيعه كالعرق.
ونوقش هذا: بأن قياس اللبن على العرق قياس مع الفارق، لأن العرق لا نفع فيه ولهذا لا يباع عرق الشاة ويباع لبنها، كما أنه جاز بيع سائر أجزاء الآدمي وجاز بيع العبد والأمة وإنما حرم بيع الحر لأنه ليس بمملوك، وحرم بيع العضو المقطوع لأنه لا نفع فيه1.
واستدل الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله على قوله بكراهة بيع لبن الآدمية مطلقاً بذات ما استدل به القائلون بالمنع والتحريم المطلق، غير أنه وجه عدم الجواز بالكراهة مفسراً النهي عن هذا بحد الكراهة دون التحريم كما قال بعض الحنابلة، وفي هذا يقول الإمام أحمد فيما ورد في الكافي في فقه الإمام أحمد: " ... أكره بيع لبن الآدميات فيحتمل التحريم، لأنه مائع خارج من آدمية، أشبه العرق، ويحتمل كراهية التنْزيه لأنه طاهر منتفع به أشبه لبن الشاة ... "2.
ونوقش هذا: في الشق الخاص بقياس اللبن على العرق فيما يتعلق بتفسير صاحب الكافي كراهة الإمام أحمد بيع لبن الآدميات، نوقش بذات المناقشة الواردة على استدلال المانعين بيع لبن الآدميات مطلقا من أن قياس اللبن على العرق قياس مع الفارق.
واستدل المفصلون بما يأتي: استدلوا على قولهم بمنع بيع لبن الآدمية الحرة بذات ما تمسك به المانعون من بيع لبن الآدميات مطلقاً، ويرد عليهم ذات الاعتراض بشأن وجه الاستدلال على نحو ما سبق.
واستدلوا على قولهم بجواز بيع لبن الأمة بأنه جزء من آدمي يجوز بيعه، وحيث
__________
1 المغنى والشرح الكبير لابن قدامه 4/304.
2 ابن قدامه 2/5.

الصفحة 442