كتاب البيوع المحرمة والمنهي عنها

جاز بيع الكل فلا مانع من بيع أحد أجزائه ومنها اللبن محل النّزاع هنا، فضلاً عن تمسكهم بذات الأدلة التي ساقها المجوزون لبيع لبن الآدميات على الإطلاق.
الترجيح: بعد عرض الآراء على نحو ما استخلصناه ومراجعة ما استدل به كل فريق، يتضح لنا رجحان القول بعدم جواز بيع لبن الآدمية الحرة، ومستند هذا الترجيح ما يأتي:
1 – ان الآدمي مكرم شرعاً وأنه غير مبتذل وهذا لم ينكره أحد من العلماء سواء من منع بيع اللبن، أو من أجاز بيعه، والمقرر أن البيع وما شابهه من التصرفات يحقق الإهانة والابتذال للشيء المباع وإخضاعه لإرادة بائعه والمتصرف فيه.
2 – ان الآدمي الحر ليس مالاً يباع ويشترى، ويوهب ويتصدق به، ويؤكل، وهذا محل اتفاق كذلك بين العلماء، وعلى هذا لا يجرى عليه ما يجري على الأموال.
3 – ان قول المجوزين لبيع لبن الآدمية الحرة أن اللبن مشروب طاهر منتفع به فيحل بيعه، قياساً على حل بيع المشروبات الطاهرة المنتفع بها؛ يمكن أن يرد عليه بأن اعتبار اللبن مشروباً كان للضرورة حتى إذا استغنى الطفل عن الرضاع لا يجوز شربه والانتفاع به.
فالقول في الاستدلال بأنه مشروب طاهر إلى أخره منعه بعض الفقهاء ولم يجعلوه مشروباً طاهراً جائزاً بيعه، ولكنهم قالوا بأنه ليس مشروباً وأنه أبيح استثناء رضاعة للطفل حفاظاً على حياته، وفيما عدا ذلك يحرم، فهذا الدليل غير مسلم عند كل الفقهاء فهو استدلال بمختلف فيه ولا يصح الاستدلال به، وتبقى الأدلة الأخرى سالمة عن المعارضة.
4 – ان قياس لبن الآدميات في جواز بيعه على لبن الغنم قياس مع الفارق، وذلك لأن الإنسان مالك للغنم، والغنم مملوكة له، وفرق بين الأمرين، وأن لحم الإنسان محرم ولحم الغنم حلال، وأن الإنسان مكرم غير مبتذل، في حين أن الأغنام مسخرة للإنسان ومبتذلة له، وهذا كله فضلاً عن أن لبن الآدميين تتعلق به أحكام دقيقة وخطيرة من حيث تحريم النكاح ونحوه ولا تتعلق بلبن الغنم أحكام، لكل هذا

الصفحة 443