كتاب البيوع المحرمة والمنهي عنها

كان قياس لبن الآدميات على لبن الأغنام قياساً مع الفارق لا يعتد به.
5 – أن القول بالانتفاع به وان كل ما كان منتفعاً به جاز بيعه، غير مسلم على الإطلاق، لأن كل المحرمات لا تعدم نوعا من النفع، فالخمر مثلاً بها قدر من المنفعة غير أن الشرع قد أهدر هذه المنفعة فيها، ولهذا كان من شرط إباحة التصرف في الشيء أن يكون أصل الشيء حلالاً في ذاته، ومباحاً في ذاته، فإذا وجد فيه منفعة وان قلت أبيح بيعه والتصرف فيه كما تقولون، ولكن هذا لمن ملك أصل الشيء، والسؤال الآن: هل ملك الإنسان نفسه؟، أو هل ملك أحد إنساناً حراً، حتى نقول بجواز بيع ذلك الإنسان أو بيع جزء منه، فالإجابة على ذلك: لا، لأن الحر غير مملوك وأنه يحرم المساس به كلاً أو بعضاً الا بحق وهذا معروف ومقرر.
وبناء على هذا: أرى عدم جواز بيع لبن الآدمية الحرة، ولا الآدمي، ترتيباً على عدم جواز بيعهما، ولا بيع شيء من أجزائها. والله تعالى أعلم1.
هذا: وقد تفرع على القول المرجوح هنا من جواز بيع لبن الآدميات، مسألة حرمة الرضاع المترتب عليها مسألة حرمة النكاح تصديقاً لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب" 2.
وقد تعرض الفقهاء المعاصرون لهذه الأمور عند حديثهم عن بنوك الحليب، واختلفوا كثيراً، وتشعبت آراؤهم، بمراعاة أن المحذور هو أن الرضيع عن طريق هذا الحليب قد يريد أن يتزوج فيما بعد من إحدى الفتيات، وهو لا يدري فقد تكون هذه الفتاة قد رضعت معه من ذات اللبن، فتحرم عليه أم لا؛ وهذا يجعلنا نقف عند معنى الرضاع شرعاً: فعند جمهور الفقهاء ومنهم الأئمة الثلاثة أبو حنيفة ومالك والشافعي
__________
1 وممن قال بها فضيلة الأستاذ الدكتور حسن الشاذلي عميد كلية الشريعة والقانون بجامعة الأزهر في بحثه المقدم لمجمع الفقه الإسلامي في دورته الرابعة عن "انتفاع الإنسان بأعضاء جسم إنسان آخر حياً أو ميتاً في الفقه الإسلامي" العدد الرابع 1408 ? - 1988 م.
2 حديث صحيح، ورد من حديث عائشة وابن عباس رضي الله عنهم، وله طرق. راجع: إرواء الغليل 6/282- 285 برقم 1876.

الصفحة 444