كتاب عون الحنان في شرح الأمثال في القرآن

وبالعقول الضعيفة على هذا النحو، وسرت فى شوارع القاهرة أو غيرها من المدن، فإنك ترى المتسولين وقد جلس أحدهم، رجلا أو امرأة، فى ملتقى الطرقات، أو مواقف المواصلات، أو على أبواب المساجد والأضرحة، يقرأ القرآن، باسطا كفه للغادين والرائحين بقصد التسول، ترى هذا المنظر المفجع بين الأحياء، فإذا ما ذهبت إلى المقابر رأيت ما هو أدهى وأمر، رأيت الفقراء من حملة القرآن يتسابقون إلى المقبرة، وقد اندسوا بين أفواج الزائرين والزائرات، يساومونهم على مقدار ما يقرءون، ومقدار ما يأخذون ثمنا لما يقرءون.
وفى هذه المشاهد كلها لا تسمع قرآنا، وإنما تسمع هذرمة فى القراءة، وإخلالا بواجبها، وإخراجا للقرآن ذى الروعة والجمال إلى ذلك المنظر المزرى الذى يفزّز النفوس، ويجرح الصدور، ويبعده فى نظر السامعين عن أن يكون طريق الهداية والإرشاد من رب العالمين.
القرآن ودواء الأمراض البدنية: إن الأمراض البدنية قد خلق الله لها عقاقير طبية فيها خاصة الشفاء، وأرشد إلى البحث عنها والتداوى بها، وقد صح أن النبى صلى الله عليه وسلم دخل على مريض يعوده، فلما رآه طلب من أهله أن يرسلوا إلى طبيب، فقال قائل: وأنت تقول ذلك يا رسول الله؟ فقال عليه السلام: «نعم، إن الله عز وجل لم ينزل داء إلا أنزل له دواء»، فعل النبى صلى الله عليه وسلم ذلك إرشادا لأمته إلى أن التداوى من الأمراض البدنية من طريق الطب البشرى الذى يعرف الدواء، أما القرآن فلم ينزله الله دواء لأمراض الأبدان، وإنما أنزله كما قال: دواء لأمراض القلوب وشفاء لما فى الصدور.
وإذا كانت أمراض الأبدان أمراضا مادية، وشفاؤها بأدوية مادية، فأمراض القلوب أمراض معنوية، وشفاؤها بأدوية معنوية، والقرآن قد عالج مرض الجهل بالعلم، ومرض الشبهة بالبرهان، ومرض الشهوة بالحكمة، وما التداوى فى الأمراض البدنية بالقرآن إلا كقراءة الختمات للنصر على الأعداء فى ميدان القتال، وإلا كقراءة ما يسميه العامة عدية ياسين تحصيلا للرغبات، كلاهما وضع للعلاج المعنوى مكان العلاج المادى، وكلاهما قلب لنظام الله تعالى فى خلقه، وعروج بالقرآن الكريم عما أنزل لأجله.
القراءة على الموتى (¬1): أما استمطار الرحمة على الموتى، فإنه لا يكون إلا بعمل مشروع، كالدعاء، والصدقة، بشرط أن يكون خالصا لوجه الله الكريم، أما ما لم يشرعه
¬__________
(¬1) الفتاوى للشيخ محمود شلتوت.

الصفحة 14