كتاب عون الحنان في شرح الأمثال في القرآن

لا يستطيعون لها نكرانا. وما أجمل قول القائل:
إذا طاب أصل المرء طابت فروعه ... ومن عجب جادت يد الشوك بالورد
وقد يخبث الفرع الذى طاب أصله ... ليظهر سر الله فى العكس والطرد
3 - الأحمق المرزوق: هو آية ظاهرة على تدبير الله تعالى، وحكمته، وتفرده بالملك والسلطان، فليس غنى هذا المكثر الأحمق من كياسته، ووفرة عقله، فهو خلو من ذلك، ولا بكثرة سعيه واجتهاده، فهو خامل غير مصيب فى رأيه، كما أن فقر العاقل ليس من بلادته، ونقصان عقله، وقلة سعيه، فإنك ترى أكيس الناس وأعقلهم يفنى عمره فى طلب القليل من الدنيا، ولا ينال ذلك، وترى أجهل الناس وأخسهم عقلا تنفتح عليه الدنيا، فلما رأينا الأعقل الأفضل أقل نصيبا، والآخر الأجهل أوفر نصيبا، علمنا أن ذلك بسبب قسمة القسام الذى يفعل ما يشاء، كما قال تعالى: نَحْنُ قَسَمْنا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا [الزخرف: 32]. وما أجمل قول من قال:
كم عالم يسكن بيتا بالكرى (¬1) ... وجاهل يملك دورا وقرى
لما قرأنا قوله سبحانه ... نحن قسمنا بينهم زال المرا
وهكذا تجاوب المؤمنون الصادقون مع هذا التدبير الإلهى العظيم، وهذا الوضع الربانى الحكيم. ومن ذلك قول الإمام الشافعى، رضى الله عنه:
ومن الدليل على القضاء وحكمه ... بؤس اللبيب وطيب عيش الأحمق
وقول سفيان بن عيينة:
كم من قوى قوى فى تقلبه ... مهذب الرأى عنه الرزق ينحرف
وكم ضعيف ضعيف فى تقلبه ... كأنه من خليج البحر يغترف
هذا دليل على أن الإله له ... فى الخلق سر ليس ينكشف
أما من لم يفطن لهذه الحكمة، وغابت عنه تلك الدقيقة، فقد تبرموا وضجروا، حتى قال قائلهم:
كم عالم ضاقت مذاهبه ... وجاهل جاهل تلقاه مرزوقا
هذا الذى ترك الأوهام حائرة ... وصير العالم النحرير زنديقا
¬__________
(¬1) بالإيجار.

الصفحة 64