كتاب الأزمنة والأمكنة

على أن تكون نجوم اللّيل مفعول تبكي، يقال: باكيته فبكيته، أبكيه ويكون من أفعال المبالغة، كأنّ الشّمس تغالب في البكاء النّجوم والقمر فتغلبها وأفعال المبالغة تجيء في الماضي على فاعلته أفعله بضم العين، يقول: طاولته فطلته أطوله، إلّا ما كان من بنات الياء، فإنّه يحامي على الياء منه لئلا يختلط بنات الياء ببنات الواو. هذا الباب المعتمد فيه على السّماع فاعلمه. وقال الطّرمّاح شعرا:
فإني وإيّاكم وموعد بيننا ... كيوم لبيد يوم فارق أربدا
يريد: أنّ يومنا ويومكم ويوم ميعاد بيننا كيوم لبيد، والأجود في تفسير البين أن يكون المصدر لا الظرف. وقوله: يوم فارق العامل فيه معنى الفعل الذي دلّ عليه قوله: يوم لبيد لأنّه يريد به الشّدة والصّعوبة. وأخبره أنّ السّبيل ثنية صعودا ينادي كلّ كهل وأمردا، صعود فمن يعمل يلمع به اليوم بأنها، ومن لا يلهي بالضّحاء فأوردا. أربد أخو لبيد مات فقال:
وأرى أربد قد فارقني ... ومن الأرزاء رزء ذو جلل
والمعنى؛ فجعت بكم وأنا أتبعكم فما الخلق فيما كتب من آجالهم إلّا سابق ولا حق، على ذلك نحن ومن تقدّمنا في تواعدنا، والسّبيل يريد به سبيل الموت وأنّ الاقدام تتساوى فيه فمن دعي أجاب، وقوله: فمن يلمع به الصّعود يأتها، يريد إذا أشارت إليه أولا، وهذا كما قال أوس: أشاربهم لمع الأصم. وقوله: ثنية صعود يريد أنّها عقبة شاقة. وقوله: ومن لا يلهى بالضّحاء، وضع الماضي موضع المستقبل أراد ومن لا يلمع به في أوّل النّهار يلمع به من بعد، والضّحاء للإبل وهو وقت الغذاء للناس، يريد به قرب ما بين الأحياء والأموات في الموت ومثل قوله: ومن لا يلهى به في حذف الشّرط منه قول الآخر:
والّا يقيموا صاغرين الرّؤسا. لأنّ المعنى: الّا تقيموا تقيموا كما أنّ التقدير في هذا لا يلمع به يلهى. وقوله: فأوردا. في موضع الجزم لأنّه معطوف على من لا يلهى. والمعنى من لم يتله فيورد وفيه وجه آخر. قال زهير:
إنّ الرّزية لا رزية مثلها ... ما يبتغي غطفان يوم أضلّت
(لا رزية) : مثلها في موضع الصّفة للرّزية وما ينبغي في موضع الخبر.
شعر:
إنّ الرّكاب ليبتغي ذا مرّة ... بجنوب نخل إذا الشّهور أحلّت
يعني: إذا انقضت الأشهر الحرم. وقال آخر:
وباد الشّباب ولذّاته ... وما كان للدّهر الأخلّا

الصفحة 501