كتاب الأزمنة والأمكنة

أي أكلها أكل الحشيش وفي طريقته قوله: فلست خلاة لمن أوعدن. قال حميد بن ثور:
أتنسى عدوّ إسار نحوك لم يزل ... ثمانين عاما قبض نفسك تطلب
وتذكر سرداحا من الوصل باقيا ... طويل القرى أنضبته وهو أحدب
تقعّدته عصرا طويلا أروضه ... يلين وينبو تارة حين أركب
أراد بالعدو الدّهر، والسّرداح الطّويل من الإبل، ضربه مثلا للعيش الذي قضاه قوله:
يلين وينبو أي: يأتي مرة بالبؤس ومرة بالنّعم. قال آخر:
وصاحب المقدار والرّديف ... أفنى ألوفا بعده ألوف
يعني بالرّديف النّجوم التي تتعاقب، يقول: يعاقبها على مرّ الدّهور لا يبقي أحدا.
أنشد أبو العبّاس:
أجدّك لن ترى بثعيلبات ... ولا بيداء ناجية ذمولا
ولا متدارك والشّمس طفل ... ببعض جوانب الوادي حمولا
قال لك: إن تقول ما زيد قائما ولا قاعدا، ولا قائم ولا قاعد. من رفع توهّم أنّ الأول مرفوع. وكذلك الخفض، ولو خفض الأوّل جاز في المنسوق عليه ثلاثة أوجه. وكذلك لو كانت صفة قلت ما زيد خلفك ولا محسن ولا محسنا ولا محسن، يتوهّم أنّ المقدّم فعل ويجوز ما زيد بقائم ولا بقاعد، وأنشد: بطعنه لا غس ولا بمعمر. وأنشد الكسائي: أما ترى حيث سهيل طالعا.
قال: رفع حيث وأضافها وخفض بها، وإذا خفض بها فينبغي أن ينصب ووجه الكلام عبد الله حيث زيد نصبت حيث، وأضفتها. وأنشد للنابغة شعرا:
تبدو كواكبها والشّمس طالعة ... لا النور نور ولا الإظلام إظلام
قيل: أراد شدّة الأمر بقوله: تبدو كواكبه كما قال: ويريه النّجم يجري بالظّهر. وكما يقال: لأرينك الكواكب، وقيل بل أراد لمعان السّيوف وبريق البيض ذهبا بظلمة الغبار.
وإنّ الغبار غطّى الشّعاع السّاطع منهما، فلذلك حال كلّ عن المعهود. وأنشد أبو الحسن عن يونس:
إذا أنا لم أو من عليك ولم يكن ... كلامك إلا من وراء وراء
وراء من أسماء الزّمان. قال الشّعر مرفوع. وقد جوّز فيه غير وجه منها الضّم فيها ويكون الثّاني بدلا من الأوّل، وقد جعل غايته وجوّز إلّا من وراء وراء يريد ورأى فحذف ياء

الصفحة 502