كتاب الأزمنة والأمكنة

وقال طرفة:
لعمري لقد مرّت عواطس جمة ... ومرّ قبيل الصّبح ظبي مصمع
قال عواطس لأنّه رأى أشياء مما يتشاءم بها، فجعل كلّ واحد كالعاطس وجعل الظّبي مصمعا: وهو الصّغير الأذن استقباحا له. وقيل: المصمع: المسرع. قال:
وعجراء دفث بالجناح كأنّه ... مع الفجر شيخ في بجاد مقنّع
فإن تمنعي رزقا لعبد يصيبه ... ولن تدفعي بؤسي وما يتوقع
قال الفرزدق:
إذا وطنا لمغتنيه ابن مدرك ... فلقيت من طير العراقيب أخيلا
ويقال: صبّحهم بأخيل: أي بشؤم. ويقال: بعير مخيول: إذا وقع الأخيل على عجزه فقطعه. وقال الأعشى:
انظر إلى كفّ وأسرارها ... هل أنت إن أوعدتني صابر
جعله مثلا لأنّهم كانوا ينظرون إليها يستدلّون بها. وقال جرير في طريقته:
وما كان ذو شغب يمارس عيصنا ... فينظر في كفيّه إلا تندّما
العيص: الأكمة شبّه حسبهم بها، ومعنى ينظر في كفيه أي إذا تعيف علم أنّه لاق شرا.
وقال المرقم السّدوسي مخالفا لهم شعرا:
ولقد غدوت وكنت لا ... أغدو على واق وحاتم
فإذا الأشائم كالأيا ... من والأيامن كالأشائم
الواق: الصّرد، والحاتم: الغراب. وأنشد الجاحظ:
ولست بهيّاب إذا شدّ رحله ... يقول: عداتي اليوم واق وحاتم
ولكنّه يمضي على ذاك مقدما ... إذا صدّ عن تلك الهنات الخثارم
الخثارم: المتطهّر من الرّجال.
قال الجاحظ: ولإيمان العرب بباب الطّيرة والفأل عقدوا التمائم والرّتائم وعشّروا إذا دخلوا القرى كتعشير الحمار، واستعملوا في القداح الآمرة والنّاحية والمتربّص، وهي غير قداح الإيسار ويشتقّون من اسم الشيء المعاين أو المسموع ما يقيمون به العادة في ذلك، فجعلوا الحمام مرة من الحمام ومرة من الحميم، ومرة من الحمى. وجعلوا البان مرّة من البين، ومرّة من البيان.

الصفحة 532