كتاب أدب الاختلاف في الإسلام
الحالة بعد القرن الرابع:
أما بعد القرن الرابع فقد تغيرت الحال ولندع حجة الإسلام الغزالي (توفي:505هـ) يصف لنا ذلك حيث يقول: «اعلم أن الخلافة بعد رسل الله صلى الله عليه وسلم تولاها الخلفاء الراشدون المهديون، وكانوا أئمة علماء بالله تعالى، فقهاء في أحكامه، وكانوا مشتغلين بالفتاوى في الأقضية، فكانوا لا يستعينون بالفقهاء إلا نادرا في وقائع لا يستغنى فيها عن المشاورة، فتفرغ العلماء لعلم الآخرة، وتجردوا لها، وكانوا يتدافعون الفتاوى وما يتعلق بأحكام الخلق من الدنيا، واقبلوا على الله تعالى بكنه اجتهادهم كما نقل من سيرهم، فلما أفضت الخلافة من بعدهم (أي الخلفاء) الى قوم تولوها بغير استحقاق ولا استقلال بعلم الفتاوى والأحكام اضطروا الى الاستعانة بالفقهاء، وإلى استصحابهم في جميع أحوالهم لاستفتائهم في مجاري أحكامهم، وكان قد بقي من علماء التابعين من هو مستمر على الطراز الأول، وملازم صفو الدين، ومواظب على سمت علماء السلف، فكانوا إذا طلبوا هربوا وأعرضوا، فاضطر الخلفاء إلى الإلحاح في طلبهم لتولية القضاء والحكومات، فرأى أهل تلك الأعصار عز العلماء، وإقبال الأئمة والولاة عليهم مع إعراضهم عنهم، فاشرأبوا لطلب العلم توصلا إلى نيل العز، ودرك الجاه من قبل الولاة، فأكبوا على الفتيا، وعرضوا أنفسهم على الولاة، وتعرّفوا إليهم، وطلبوا الولايات والصلات منهم، فمنهم من
الصفحة 137
179