كتاب أدب الاختلاف في الإسلام

وسفيان وأحمد (¬157) رحمهم الله تعالى وغيرهم، وزعموا أن غرضهم استنباط دقائق الشرع، وتقرير علل المذهب، وتمهيد أصول الفتاوى، وأكثروا فيها التصانيف والاستنباطات ورتبوا فيها أنواع المجادلات والتصنيفات، وهم مستمرون عليه إلى الآن، وليس ندري ما الذي يحدث الله فيما بعدنا من الأعصار، فهذا هو الباعث على الإكباب على الخلافيات والمناظرات لا غير، ولو مالت نفوس أرباب الدنيا إلى الخلاف مع إمام آخر من الأئمة وإلى علم آخر من العلوم لمالوا أيضا معهم ولم يسكتوا عن التعلل بأن ما اشتغلوا به هو علم الدين، وأن لا مطلب لهم سوى التقرب الى رب العالمين (¬158) » .
ومن استقراء الأفكار في النص نجد أن:
1 الإمام الغزالي رحمه الله قد وضع يده في هذه الكلمات على الداء الحقيقي الذي أصاب الأمة نتيجة ذلك الفصام النكد الذي وقع بعد الأئمة الراشدين بين القيادتين: الفكرية والسياسية، فدمغ تاريخنا بتلك السمة التي لم نزل نعاني منها، حيث وجدت ممارسات سياسية غير إسلامية، نجمت عن جهل الساسة بالسياسة الشرعية الإسلامية ... لدينا فقه نظري افتراضي لا مساس له بقضايا الناس، ولا يعالج مشكلاتهم اليومية بالطريقة العملية نفسها التي كانت تعالج فيها تلك القضايا على عهد
¬_________
(¬157) يرى الغزالي أن المجتهدين المقلدين خمسة، وسفيان الثوري خامسهم.
(¬158) إحياء علوم الدين (1/41 وما بعدها) الباب الرابع في سبب إقبال الخلق على علم الخلاف.

الصفحة 139