كتاب أدب الاختلاف في الإسلام
مذاهبهم وتدوينها، وتحرير شروطها، ونحو ذلك مما لم يتوفر لمذاهب سواهم من الصحابة والتابعين (¬164) وتناقله عنه بعد ذلك المتأخرون (¬165) . ومن هنا بدأ إهمال الناس للكتاب الكريم وعلومه، وإعراضم عن السنة وفنونها، وقنعوا من العلم بنقل الأقوال والمذاهب وتقعيدها وتأصيلها والجدال عنها، والتفريع عليها، والتخريج منها في أحسن الأحوال.
واستمر الانحدار واشتد الخلاف وتعمق ونشأت بعد ذلك قرون على التقليد المحض، فركدت حركة الفكر، وذوت شجرة الاجتهاد، وانتشرت الفتن وعم الجهل، وأصبح الفقيه العالم في نظر الناس هو ذلك الذي حفظ جملة من أقوال الفقهاء وتزود بعدد من الآراء، دون تمييز بين قويها وضعيفها، وصار المحدث من حفظ جملة من الأحاديث صحيحها وسقيمها.
وليت الأمر توقف عند هذه الحدود، فقد نزل الحال عن هذا الدرك الهابط الى ما هو أشد هبوطا منه، كأن شمس العلوم غابت عن دنيا المسلمين وعقم الفكر، فراجت سوق البدع، ونفقت بضاعة الانحراف، وشاعت الخرافات فاتخذت أشكالات مختلفة، مما أفسح أمام الغزاة الطريق ليكتسبوا الحضارة الإسلامية ويستبيحوا ديار الإسلام.
¬_________
(¬164) ينظر التقرير والتحبير (3/353) .
(¬165) ينظر التقرير والتحبير، وشرح جوهرة التوحيد تحفة المريد (152) .
الصفحة 145
179