كتاب أدب الاختلاف في الإسلام
الفكرة، يقلب كفيه ويخاطب نفسه، يعجبه من اللباس ما قصر، ومن الطعام ما جشب (ما غلظ وخشن من الطعام) كان والله كأحدنا، يدنينا إذا أتيناه، ويجيبنا إذا سألناه، وكان مع تقربه إلينا، وقربه منا، لا نكلمه هيبة له، فإن تبسم فعن مثل اللؤلو المنظوم، يعظم أهل الدين، ويحب المساكين، لا يطمع القوي في باطله، ولا ييأس الضعيف من عدله، فاشهد بالله لقد رايته في بعض مواقفه وقد أرخى الليل سدوله، وغارت نجومه يميل في محرابه قابضا على لحيته، يتململ (يضطرب ويتقلب) تململ السليم (الملسوع) ويبكي بكاء الحزين، فكأني أسمعه الآن وهو يقول: يا ربنا يا ربنا، يتضرع إليه، يقول للدنيا: ألي تعرضت؟ ألي تشوفت؟ (اطلعت) هيهات، هيهات، غرّي غيري، قد بتتّك ثلاثا (طلقتك طلاقا باتا) فعمرك قصير، ومجلسك حقير، وخطرك يسير، آه آه، من قلة الزاد وبعد السفر ووحشة الطريق ...
فوكفت دموع معاوية على لحيته ما يملكها، وجعل ينشفها بكمه، وقد اختنق القوم بالبكاء، فقال معاوية: كذا كان أبو الحسن رحمه الله، كيف وجدك (حزنك) عليه يا ضرار؟ قال: وجد من ذبح واحدها في حجرها، لا ترقأ (تسكن وتنقطع) دمعتها، ولا يسكن حزنها. ثم قام فخرج (¬57) .
¬_________
(¬57) الحلية (1/84) وأخرجه ايضا ابن عبد البر في الاستيعاب (3/44) عن الجرمازي رجل همدان عن ضرار الصدائي بمعناه.
الصفحة 69
179