كتاب أدب الاختلاف في الإسلام

شرعت لأجلها، ويتفهم غاياتها، ليجعل الأحكام مرتبطة بعللها وجودا وعدما، كما كان علماء العراق يرون أن النصوص الشرعية متناهية لكن الوقائع لاتتناهى، فالنصوص قد توقفت بوفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم فما لم تلاحظ علل الأحكام التي شرعت بالكتاب والسنة فإن من غير الممكن مواجهة الحاجة التشريعية لدى الناس.
عن الحسن بن عبيد الله النخعي، قال: قلت لإبراهيم النخعي: أكل ما أسمعك تفتي به سمعته؟ فقال: لا. قلت: تفتي بما لم تسمع؟ قال: سمعت وجاءني ما لم أسمع فقسته بالذي سمعت (¬76) . تلك كانت سمة مدرسة العراق: الرأي إن غاب الأثر.
أما سعيد بن المسيب وعلماء المدينة منهم فكانا لا يأبهون بالعلل إلا حين يعييهم الوصول الى نص أو أثر، وكيف يعييه ذلك وهو يقول: ما قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا أبو بكر ولا عمر ولا عثمان ولا علي قضاء إلا وقد علمته (¬77) !! كما أن بيئة المدينة لم يطرأ عليها ما طرأ على البيئة العراقية من تغيرات، ولم يحدث فيها من الوقائع ما حدث في العراق، ولذلك فإن الكثيرين من علماء المدينة كانوا إذا سئل أحدهم عن شيء لديه فيه أثر أجاب، وإلا اعتذر.. سئل مسروق عن مسالة فقال: لا أدري. فقيل له: فقس لنا برأيك. فقال: أخاف أن تزل قدمي (¬78) .
¬_________
(¬76) الفقيه والمتفقه (1/203) .
(¬77) طبقات ابن سعد.
(¬78) إعلام الموقعين (1/257) .

الصفحة 81