كتاب أدب الاختلاف في الإسلام

ومما يوضح تهيب أهل المدينة من القول بالرأي فيما لا أثر فيه ما قاله ابن وهب: قال مالك: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إمام المسلمين وسيد العالمين يسأل عن الشيء فلا يجيب حتى يأتيه الوحي من السماء، فإذا كان رسول رب العالمين لا يجيب إلا بالوحي، فمن الجرأة العظيمة إجابة من أجاب برأيه، أو بقياس أو تقليد من يحسن به الظن، أو عرف أو عادة أو سياسة أو ذوق، أو كشف أو منام، أو استحسان أو خرص والله المستعان، وعليه التكلان (¬79) .
ومع أن الخلاف قد احتدم بين المدرستين وجرى تبادل النقد بين الفريقين، لم يتخل أي منهما عن أدب الاختلاف كما تبين لنا مما تقدم من المناظرات، إضافة إلى مناظرات أخرى كثيرة جرت بين رجال المدرستين لم يخرج أحد منهم فيها عن حدود أدب الاختلاف (¬80) فلا تكفير ولا تفسيق ولا اتهام بابتداع منكر ولا تبرؤ.
عن ابن أبي شبرمة قال: دخلت أنا وأبو حنيفة على جعفر بن محمد بن الحنفية، فسلمت عليه، وكنت له صديقا، ثم أقبلت على جعفر وقلت له: أمتع الله بك، هذا رجل من أهل العراق وله فقه وعقل. فقال لي جعفر: لعله الذي يقيس الدين برأيه؟ ثم قال: أهو النعمان؟ فقال أبو حنيفة: نعم أصلحك الله. فقال جعفر: اتق الله ولا تقس الدين برأيك، فإن أول من قاس إبليس، إذ أمره الله بالسجود
¬_________
(¬79) إعلام الموقعين (1/256) ط. دار الجيل.
(¬80) ينظر في ذلك نحو (إعلام الموقعين1/130 ومابعدها) .

الصفحة 82