كان استشهد ابن لهما قبل ذلك بما شاء الله إذ رأى فارساً، فقال لامرأته: ابني، وابنك، والله يا فلانة، فقالت: أخس عنك الشيطان ابنك قد استشهد/ مذ زمان، وأنت مفتون أقبل على عملك، فأقبل على عمله، واستغفر الله، ثم إن الفارس دنا منهما، فأعاد نظره، فعاد من قوله لها وعادت من قولها، ثم نظر، فقال: ابنك والله، ونظرت، فقالت: هو والله هو، فأقبل حتى وقف عليهما، فأرادوا القيام إليه، فقال: مكانكما لست لكما، ثم سلم عليهما، وسلما عليه، فقال له أبوه: ألم تك استشهدت يا بني؟ فقال: نعم يا أبتاه، ولكن عمر بن عبد العزيز توفي في هذه الساعة من هذا اليوم، فاستأذن الشهداء ربهم في شهوده، فأذن لهم، وكنت معهم، واستأذنته في السلام عليكما، فأذن، ثم ساءلهما، ودعا لهما، ثم غاب، فما عرف موت عمر بن عبد العزيز بتلك القرية إلا بحديث الشيخ، ووجد قد توفي في تلك الساعة من ذلك اليوم.
315- قال: وحدثني طلق بن السمع، عن ضمام بن إسماعيل المعافري قال: هلك رجل منا، وعنده وديعة لقوم فأتوا فيها إلى ولده، فقال: ما ذكرها لنا، ولست أعرفها فذهب ولده إلى شعيب الحبشاني، وكان يقرأ التوراة، والإنجيل، والزبور، وغيرهما من الكتب، قال: فشكا ذلك إليه، فقال له: تجهز حتى تأتي/ ناحية برهوت، فستلقى وادياً يسيل رملاً كما يسيل السيل فجاوزه حتى تلقى جبلاً، فأصعده، وأقم حتى يجن عليك الليل، فستمر بك سحابة تسمع فيها دوياً، فناد بأبيك، فيستجيب لك، فاسأله عما تريد، قال: ففعل ما أمره به، فانطلق حتى أتى الوادي، فجاوزه ثم صعد على الجبل، فأقام حتى جن عليه الليل، فمرت به السحابة، فسمع فيها دوياً، فناداه، فقال: من أنت؟ فقال: أنا ابنك فلان: إن بني فلان طلبوا الوديعة التي لهم عندك، فأين هي؟ قال: بموضع كذا، وكذا فردها عليهم.
قال عبد الملك: برهوت: واد بناحية حضرموت من أرض اليمن، وهو طريق لمختلف الأرواح في صعودها وهبوطها، ومجتمع لها بذلك المكان.
316- قال عبد الملك: وبلغني عن مكحول، عن عبد الرحمن بن غنم الأشعري أنه قال: شهدت وفاة معاذ بن جبل يوم طاعون، فحسن عزاؤه عليه، فأغمي على معاذ فسمعته يهمس، فدنوت منه، فإذا هو يقول: يا بني قد علمت أن الله سيبدلك بأهلك خيراً منهم فناديته ففتح بصره، فقلت له: هل ترى شيئاً؟ قال: نعم قد لحق ابني مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين، والصديقين، والشهداء، والصالحين/ وحسن أولئك رفيقاً، وشكر لي ربي بحسن عزائي عليه، ثم جاءني روحه آنفاً، فأخبرني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم في مائة ألف من النبيين، والصديقين،