كتاب وصف الفردوس لعبد الملك بن حبيب

نرغب إليك في مقامنا هذا أن تؤتي كل امرئ في مقامنا هذا مثل الدنيا من يوم خلقتها إلى يوم أفنيتها، فيقول لهم ربهم الكريم لقد قصرتم في أمنيتكم ورضيتم بدون حقكم، وقد أوجبت لكم ما شئتم، وسألتم، وأوجبت لكم ما قصرت عنه أمنيتكم، فانظروا إلى ما أعددت لكم، فيرفعوا رؤوسهم فإذا هم بقباب في الرفيق الأعلى، وغرف مبنية من الدر، والياقوت، والمرجان، أبوابها من الذهب ومنابرها من النور، وسررها من الياقوت، وفراشها من سندس وإستبرق يقدر من أبوابها/، وعرضها نور ساطع شعاعه كشعاع الشمس عنده، كمثل الكوكب الدري والنهار المضيء، وإذا القصور شامخة من أعلى عليين من الياقوت يزهر نورها، فلولا أنه مسخر لهم لالتمع إبصارهم من شدة صفائها وعين جوهرها ما كان منها أبيض فمن الياقوت الأبيض مفروش بالحرير الأبيض، وما كان منها أحمر فمن الياقوت الأحمر والذهب الأحمر والفضة البيضاء، قواعدها من الجوهر، وأركانها من الذهب وشرفها قباب اللؤلؤ، وبروجها غرف من المرجان، وإذا ببراذين مقرونة من ياقوت أبيض مصنوع فيها الروح يجيبها الولدان المخلدون بيد كل وليد حكمة ببرذون من تلك البراذين، لجمها وأعينها من فضة بيضاء، منظمومة بالدر والياقوت، وسرجها من ياقوت أحمر ملبسة بالسندس الأخضر على كل أربعة منها مركبة من مراكب الجنة والرحالة أسفلها سرير من ذهب، وأعلاها قبة من جوهر، إما لؤلؤة وإما زمردة وإما درة، وباقية القصور منابر من النور عليها الملائكة قعود ينتظرونهم رواداً ليهنئوهم، ويحيوهم، فيتحول كل رجل منهم على مركبة، ثم ينطلقون، وتشيعهم الملائكة المقربون يسلكون بهم رياض الجنة، فإذا وصلوا إلى قصورهم نهضت الملائكة من مجالسها، فعارضوهم، واستنزلوهم/، وصافحوهم وشبكوا أيديهم في أيديهم، ثم أجلسوهم بينهم، ثم أقبلوا على الضحك، والمداعبة، وتقول لهم الملائكة: أما وعزة الله وجلاله ما ضحكنا مذ خلقنا إلا معكم، ولا تحركت ألسنتنا، ولا شفاهنا مذ خلقنا إلا بالتسبيح حتى ضحكنا، وتكلمنا معكم فهنيئاً هنيئاً لكم كرامة ربكم، وهنيئاً هنيئاً لكم جنان الخلد التي بوأكم، فإذا ودعوهم وانصرفوا عنهم دخل القوم قصورهم، فليس منهم أحد إلا وقد وجد في قصره جميع أمنيته التي تمنى على ربه قد جمعها الله، وإذا في كل قصر باب يفضي إلى وادٍ أفيح من أودية الجنة محفوفة تلك الأودية بجبال من المها الأبيض، وكذلك جبال الجنة، وفي تلك الجبال معادن الجوهر، والياقوت، والذهب،

الصفحة 70