كتاب وصف الفردوس لعبد الملك بن حبيب

وحثي عليه التراب، وولى القوم عنه جاءته الصلاة والزكاة، فكانتا عند يمينه، وجاءه الصوم، فكان عن شماله، وجاءه ذكر الله، وتلاوة القرآن فكان عند رأسه، وجاءه مشيه إلى الجمع، وعيادة المرضى، وشهود الجنائز، فكان عند رجليه، وجاءه الصبر، فلم يجد مجلساً فجلس ناحية من قبره، فيخرج الله عنقاً من العذاب، فيأتي على يمينه، فتقول الصلاة والزكاة: وراءك عنا لا سبيل له عليه، إنما استراح/ ولي الله هذه الساعة، ثم يأتيه من قبل رأسه، فيقول: ذكر الله، وتلاوة القرآن وراك عنا لا سبيل لك عليه إنما استراح ولي الله هذه الساعة، فيأتيه من قبل رجليه فيقول: مشيه إلى الجمع، وعيادة المرضى، وشهود الجنائز وراءك عنا لا سبيل لك عليه، إنما استراح ولي الله هذه الساعة، فلما لم يجد شيئاً انقمع فدخل في الأرض، فيقول الصبر: يا هؤلاء أما إذ كفيتموه من عذاب القبر، فسأكفيكموه عند الموازين إذا نصبت، ثم يأتيه منكر، ونكير، وهما ملكان أسودان أزرقان بطيان في شعورهما، وينحتان الأرض بأنيابهما كلامهما كالرعد القاصف، وأعينهما مثل البرق الخاطف، ونفسهما مثل اللهب، وألوانهما مثل الليل المظلم، فيقولان له: من ربك؟ ومن نبيك؟ وما دينك؟ فيقول: ربي الله، ونبيي محمد صلى الله عليه وسلم ، أشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله ، فيقولان له: قد علمنا إن كنت لمؤمناً فيفتحان له باباً إلى النار، فينظر إلى ما أعد الله لأهل معصيته من العذاب، والنقمة، ثم يغلقان ذلك الباب دونه، ويقولان له: لا تخف يا ولي الله من هذه النار أبداً، ثم يفتحان له باباً إلى الجنة، فينظرا إلى ما أعد الله لأهل طاعته من الكرامة والنعيم، فيقولان: أما إن هذه يا ولي الله دارك، وقرارك فيدخل من ذلك الباب روح/ الجنة، وطيبها فيقولان له: انعم فينعم نعمة العروس، ويصير إلى عليين حتى يبعثه الله يوم القيامة.
270- قال: وحدثني أبو محمد الحنفي، عن أبي ذئب، عن محمد بن عمر بن عطاء، عن سعيد بن يسار عن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم نحو ذلك إلا ما اختلف من اللفظ.
271- قال عبد الملك بن حبيب في قول الله تعالى: {إن الذين كذبوا بآياتنا واستكبروا عنها لا تفتح لهم أبواب السماء ولا يدخلون الجنة}.
قال عبد الملك: لا تفتح لهم أبواب السماء لأرواحهم إذا قبضت، وذلك أن الأرواح إذا قبضها ملك الموت عليه السلام، فما كان منها سعيداً دفعه إلى ملائكة الرحمة وما كان منها شقياً، دفعه إلى ملائكة العذاب فيصعدون به هؤلاء وهؤلاء، فأما السعيد، فتفتح له أبواب السماء ليس منها باب إلا وهو يحب أن يدخل منه،

الصفحة 97