كتاب التفسير والمفسرون في غرب أفريقيا (اسم الجزء: 2)

(يعد إمام الناس في النحو وكبيرهم في اللغة) (¬1) قيل: إنه فاق المبرد وثعلبا وابن النحاس المصري في هذا المجال وآخذ الشافعي في تفسيره لقوله عز وجل {ذلك أدنى أن لاتعولوا} (¬2) وخطأه في فهم معنى الآية إذ فسرها بقوله: أن لا يكثر عيالكم. فقال: أخطأ، يقال: عال يعيل: إذا افتقر، وأعال: إذا كثر عياله، وعال يعول عولا: إذا زاد، ومنه عالت الفريضة، وعالني الشيء يعولني: إذا أثقلني، ومنه قول الخنساء:
ويكفي العشيرة ماعالها
ويقال: عال يعيل عولاً، إذا تبختر، ... فذكر كلاما فيما يشبهه من أفعال (¬3).
وهذا التوسع في ذكر مشتقات فعل (عال) وإيراد مختلف الأفعال المشابهة لدليل على عمق معرفة هذا العالم الإفريقي بلغة القرآن.
ويبدو أن لحركة الاعتزال (¬4) تأثيرًا كبيرًا في توجيه التفسير نحو الوجهة
¬_________
(¬1) نفس المصدر ص: 269.
(¬2) النساء آية 5.
(¬3) نفس المصدر ص: 271. وانظر رد أبي بكر الجصاص على الشافعي في تفسيره هذه الآية في أحكام القرآن 2/ 69، وعلل الفخر الرازي تفسير الشافعي لهذه الآية حيث ذكر أن طاووسا كان يقرأ: ذلك أدنى أن لاتعيلوا. وهو تفسير الآية. انظر التفسير واتجاهاته ص: 20.
(¬4) المعتزلة: من الفرق الزائغة تعود نشأتهم إلى الخلاف الواقع بين واصل بن عطاء ت 131 هـ والحسن البصري ت 110 هـ حول مرتكب الكبيرة فقال واصل: هو في منزلة بين المنزلتين واعتزل مجلس الحسن. ولهم أصول خمسة: العدل، التوحيد، الوعيد، المنزلة بين المنزلتين، الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
ويعنون بالعدل: أن الله لم يخلق الشر وأنه لاقدر وأن كل عبد يخلق أفعاله.
ويعنون بالتوحيد: الاعتماد على العقل في الأصول وأن الدلائل السمعية معه في ذلك بمنزلة الشهود الزائدين على النصاب ونفي الصفات والقول بخلق القرآن ونفي رؤية الله في الآخرة
ويعنون بالوعيد: وجوب إنفاذ ماأوعد الله به عبيده فلايعفو عمن يشاء ولايغفر لمن يريد
يعنون بالمنزلة بين المنزلتين: أن مرتكب الكبيرة ليس مؤمنا ولاكافرا وإنما في منزلة بينهما فهو قد خرج من الإيمان ولم يدخل في الكفر
ويعنون بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر: إلزام غيرهم بمذهبهم والخروج على الإمام الجائر بالسيف.
وكان مبعوث واصل إلى إفريقية هو عبد الله بن الحارث (انظر الفرق بين الفرق 93 - 169، شرح العقيدة الطحاوية 528، التفسير والمفسرون 1/ 368، المدخل الصغير إلى علوم القرآن والحديث والعقيدة والتفسير ص: 84).

الصفحة 510