كتاب جمهرة مقالات أحمد شاكر (اسم الجزء: 1)

على صدق أولئك المُخْبِرين، ولعل أكثرَهم كان واهمًا ومُتَخَيِّلًا. وقد قال الله: {إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لَا تَرَوْنَهُمْ} [الأعراف: 27].
فأول ما آخذُه على قولتك هذه، أنها رميٌ صريح لشيخ الإسلام بالكذب والافتراء! أو على الأقل بالغفلة والغباء! ! فإن تراه يزعم أنّ "من الناس من رآهم" و"من الناس من كلَّمهم وكلّموه، ومن الناس من يأمرهم وينهاهم ويتصرف فيهم" ثم يقول: "ولو ذكرتُ ما جرى لي ولأصحابي معهم لطال الخطاب". وليس لهذا الكلام معنى في لغة العرب إلا أن شيخ الإسلام - رحمه الله - كان له مع الجِنّ شيء ممّا حكاه: إمَّا أنه رآهم، وإما أنه كلمهم وكلموه، وإما أنه "يأمرهم وينهاهم ويتصرّف فيهم". فإذا عقَّبْتَ أنت على هذا القول بأنه "ليس ثَمَّ دليلٌ على صدق أولئك المخبرين" لم يكن معناه إلا أنّ هذا الذي حكاه شيخُ الإسلام لم يَقَعْ منه شيءٌ؛ لأنه ليس هناك دليل - عندك - على صدق المخبرين "ولعل أكثرهم كان واهمًا ومتخيلًا"! ! وهؤلاء المخبرون: شيخ الإسلام، فيما زَعَمَ أنه جَرَى له، وغيرُه الذين لم يُسمِّهم "من أصحابه"، وليس لنا شأنٌ بمن لم يُسَمِّه هو من أصحابه، وإن كنّا موقنين من توثقه وتحريه فيما يحكي عنهم ولو إجمالًا، إنما الشأن فيما حكاه هو عن نفسه! !
وأُعيذُك بالله من أن تقصد إلى رمي شيخ الإسلام - عن عَمْدٍ - بما يُفهم من قولك، إذا فُهم بدلالة لسان العرب. وأقصى ما أستطيعُ من حمل كلامك على أحسن محامِله، بحسن الظن بك - أنك رأيت

الصفحة 395