كتاب جمهرة مقالات أحمد شاكر (اسم الجزء: 1)

فهذا مبلغ هذا الرجل من العلم! قبِل من القراءة ما اختلف فيه وإن كان صحيحًا لأدلة يجهلها، ورفض ما لا خلاف فيه من القراءة بالهوى والجرأة من غير دليل ولا شبهة إلَّا أنه جهل شيئًا فعاداه.
"إن هذا القرآن أنزل على سبعة أحرف" كما ثبت في الحديث الصحيح المتواتر الذي لا شك في صحته، وإن قراءه تلقوا قراءاته وروايات حروفه ولهجاته سماعًا ومشافهة من شيوخهم طبقة بعد طبقة إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثبتت قراءاته الصحيحة المعروفة بالتواتر الحقيقي الذي لم يثبت بمثله كتاب قط، رووها بأدق ما يُروى كلام وأوثقه، سواء أرضي عبد العزيز باشا فهمي عن هذا أم سخطه.
وإن هذا القرآن بقراءاته المتواترة قد حفظ على العرب لغتهم بحروفها وأوجهها ولهجاتها حفظًا عجيبًا، لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، لا يستطيع أحد أن ينفي شيئًا منها أو ينكره، كابر أو تعنت أو جهل، إنما هو الحق البين المعلوم من الدين بالضرورة، من أنكره فإنما ينكر على نفسه، وإنما يجني على نفسه، وحكم الإسلام فيه معروف، لا يحتاج إلى ذكر أو بيان.
أفيظن أحد أن المسلمين يكذبون علماءهم وقراءهم وحفاظ كتابهم الذين لا يحصيهم العد، طبقة طبقة إلى صحابة رسول الله، ثم يتبعون رجلًا بأنه نبغ في صناعة القانون الإفرنجي حتى نال أسمى منصب فيه، وبأنه وصل إلى مسند الوزارة، وبأنه وضع في غير موضعه: عضوًا في المجمع اللغوي؟ ، كلا ثم كلا! إن من يتوهم بعض هذا إنما يلغي عقله، وإنما يلغى كل منطق وكل دليل.

الصفحة 459