كتاب كنز الكتاب ومنتخب الأدب (اسم الجزء: 2)

ولقدْ تُعاقِبُ في اليسي ... ر وليس ذاكَ لِجَهْلِها
الا ليعرف فضلها ... وَيُخَافَ شِدّةَ نَكْلِها
وما أحسن قَوْلَ يحيى بن المبارك العدوي القارئ المعروف باليزيدي في هذا المعنى يعتذر للمأمون:
أنا المذنب الخَطَّاءُ والعفوُ واسعٌ ... ولو لمْ يكن ذنبٌ لما عُرِفَ العفوُ
سَكرْتُ فأبْدَتْ مِنِّي الكأسُ بعض ما ... كرهت وما إنْ يسْتَوي السُّكرُ وَالصَّحوُ
تنَصَّلْتُ منْ ذَنْبي تَنُصُلَ ضارِعٍ ... إلى من لديه يُغْفَر العمْدُ والسَّهوُ
فإنْ تعفُ عنِّي كان خَطْوِيَ واسعا ... وإنْ لم يكن عفْوٌ فقد قَصُرَ الخَطْوُ
ولما أدخل إبراهيم المهدي على المأمون وهو في زيِّ امرأة ومعه، امرأتان، قال له المأمون: هيه يا
إبراهيم. فقال: يا أمير المومنين، وليُّ الثأر محَكم في القصاص، والعفو أقرب للتقوى، ومنْ ناوَلهُ
الزمانُ فاستولى عليه الاغترار بما مدّ له في أسباب الشقاء، أمكنَ عاديةَ الدَّهر من نفسه، وقد جعلك
الله فوق كلِّ ذي ذنب، كما جعل كلَّ ذي ذنبٍ دونك، فإنْ تُعاقِبْ فبِحَقِّك، وإنْ تعفُ فبفضلكَ.
قال المأمون: بل العفوُ يا إبراهيم فكبَّرَ ثُمَّ خَرَّ ساجِدا. فأمر المأمون بِالمقَنَّعَة فصيرتَ على صدره
ليَرى النَّاس الحالَ التي أُخِذَ عليها. ثم قال إبراهيم بعد ذلك قصيدة يشكر فيها للمأمون صنعه به.
يقول فيها:

الصفحة 512