كتاب كنز الكتاب ومنتخب الأدب (اسم الجزء: 2)

إِلَيَّ عبد الله كأنّه يُقبلني فأنكرتُ ذلك، فالتفَتَ إلى المأمون فنظر إليه كأنه مَيْتٌ لما دَخَله من الجزع والخجل،
فرحِمهُ وضمَّه إليه وقال: يا عبد الله أتُحِبُّها؟ قال: نعَمْ يا أمير المومنين. قال: هي لكَ قُمْ، فادْخُلْ بها في تلك القُبَّة. ففعل، ثم قال
له: هل قلت في هذا الأمر شيْئا. قال: نعم يا سيدي، ثم أنشده:
ظَبْيٌ كتبتُ بِطرْفي ... من الضَّمير إليه
قَبَّلْتُه منْ بَعيدٍ ... فاعتلَّ من شفتيه
ورَدَّ أَخْبَثَ ردٍّ ... حتَّى قَدَرْتُ عليه
وفي هذا المعنى يقول أحد البلغاء: (اللَّحْظُ يُعْربُ عن اللفْظ) وقال الآخر: (رُبَّ كِنايَةٍ تُغْني عنْ
إيضاح) (ورُبَّ لحظٍ يدُلّ على ضمير). ونظمه الشاعر، فقال:
جَعَلْنا علاماتِ المَوَدَّة بيننا ... دَقائقَ لحْظٍ هُنَّ أَخْفَى من السِّحْرِ
فأعْرِفُ منها الوَصل في لين لَحْظِها ... وَأَعْرِفُ منها الهَجْرَ بالنَّظَرِ الشَّزْرِ
ومثل هذا قول بعض الحكماء: (والعينُ بابُ القلبِ). فما كان في القلْبِ ظَهَرَ في العين. وقال
الشاعر:

الصفحة 520