كتاب كنز الكتاب ومنتخب الأدب (اسم الجزء: 2)

أغَرَّك منِّى أنَّ دَلَّكِ عنْدنا ... وإسْجادَ عيْنيك الصَّيُودَيْن رابِحُ
وحكى أبو الوليد بن زيدون عن نفسه قال: كنت أيامَ شبابي وغمرة التَّصْباب، أهيمُ بغادة تُدْعى ولادة
فلمّا قُدِّر اللقاءُ، وساعد القضاء كتبت اليّ بهذين البيتين:
ترقَّبْ إذا جَنَّ الظلامُ زيارتي ... فإني رأيْتُ الليل أَكتَمَ للسّرِّ
وبي منكَ ما لو كان بالبدْرِ ما بَدا ... وبالليل ما أدْجَى وبالنجمِ لم يسْر
قال: فلمّا طوى النَّهارُ كافورَه، ونشرَ الليْلُ عنْبَرهُ، أقْبلتْ بقدٍّ كالقضيب، وَرِدْفٍ كالكثيب، وقد أطبقتْ
نرجِسَ المُقَل، على وردِ الخجل، وملنا عند ذلك إلى روض مُدَبَّج، وظلّ سَجْسج، قد قامت راياتُ
أشْجارهِ، وفاضتْ سلاسِلُ أنْهاره، وتفتحت كَمَائمُ أَزْهاره وتَأرَّجَت نفحاتُ نواره، ودرُّ الطَّلِّ منثورُ،
وَوَجيبُ الراح مزور. فلما ارتَشَفنا كُؤُوسها، وأَغْرَبَنا في الأفْواه بُدُورها وشُمُوسَها، وَشَبَبْنَا نارَها،
أدركت فيها ثارها، وَبرحَ كلُّ واحدٍ منَّا بِحُبِّه، وشَكا إليه ما بِقَلْبه، وبِتْنَا ليْلَتَنا نَجْني أُقْحُوان الثُّغور،
ونَقْطِفُ رُمَّانَ الصُّدور، فلمَّا شَمَّر الليلُ ذيلَهُ، وَجَيَّشَ الصبح خيْلهُ، وولّى الظلام منهزما، وأقبل ابن
ذُكاء مبْتَسما، ودنَتْ ساعَةُ الوداعِ صَباحا، عانَقْتُها وأنْشَدْتها ارتياحا:
ودَّع الصَّبْرَ محبّ ودَّعَكْ ... ذائعا من سره ما استودعكْ
يقرع السنَّ على أنْ لم يكنْ ... زاد في تلك الخطى إذْ شَيَّعكْ
يا أخا البدْرِ سناءً وسَنى ... حَفِظَ الله زماناً أَطْلَعك
إِنْ يُطُلْ بَعْدَكَ لَيْلي فَلَكَمْ ... بِتُّ أَشكُو قِصَرَ اللَّيلِ مَعَكْ
قوله: (إن يطل بعدك ليلي) البيت، ليس أبو الوليد اخترعه، وإنما ألمّ فيه

الصفحة 526