كتاب كنز الكتاب ومنتخب الأدب (اسم الجزء: 2)

فِنَاؤُها بقرطبة منتدىً لأحْرار المِصْر، وأعيان ذلك العصر، وميدانا بجياد النظم والنثر. يعشو أهل الأدب
إلى ضوء غرّتها، ويتهالك أفراد الشعراء والكتاب علي خلافة عشرتها، إلى سُهُولة حِجابِها، وكثرة
مُنْتابها، تخلط ذلك من فعلها بعلُوِّ نصاب، وكرَمِ انتساب، وطَهارَة أثواب، وشرف أثْواب. والله تعالى
يسمح لها، ويغفر زَلَلَها، فلقد اطرحت التحصيل، وأوجدت إلى القولِ فيها السبيل، وذلك لِمُجاهَرتها
بِلَذَّاتِها، وقلة مبالاتها، وكانت قد رسمتْ على عاتقيْ ثوبها بيتين وهما:
أنا والله أصلُحُ للمعالي ... وأمشي مِشْيَتِي وأتيهُ تِيهَا
وأُمْكِنُ عاشِقي من عَض نهْدٍ ... وأُعْطي قُبْلتي منْ يَشْتَهِيها
قال أبو الحسن بن بسام: هكذا وجدتُ هذا الخبر، وأَبْرأُ إلى الله من عُهْدَة قائليه، وإلى الأدبِ من
غَلَطِ النَّقل إنْ كان وقع فيه.
قلت: وأنا أيضا أحْكيه عن ناقليه، ولا أعتمدُ على تصحيحه ولا أدَّعيه، فلأهْلِ النُّبل والفضل عن
هذا الخبر وأشباهه مناديح، وكمْ خَبَرِ حكيَ ودوِّن، وهُو غيرُ صحيح. ولولادة أخبارٌ يفوتُ إحْصاؤها
ويقلّ استقصاؤها، وكانت في ذكاء خاطرها، وكثْرة نوادرها، آية من آيات فاطِرِها. ذكروا أنها مرتْ
ذات يوم بالوزير أبي عامر ابن عبدوس وكان من أعيان المصر، في ذلك العصر،

الصفحة 532