كتاب كنز الكتاب ومنتخب الأدب (اسم الجزء: 2)

كان التجازي بمحض الودِّ مذ زمن ... ميدان أنس جرينا فيه إطلاقا
فالآن أحمد ماكُنّا بعهدكمُ ... سلوتم وبقينا نحن عُشَّاقا
في أشعارٍ له كثيرة هي في كتاب ابن بسام وغيره مسْطُورة. وفي أبي الوليد يقول أبو الحسن بن
بسام: كان أبو الوليد غاية منثور ومنظوم، وخاتمة شُعراء مخْزوم، أحدُ منْ جَرَّ الأيام جرًّآ، وفاتَ
الأنام طُرُاً، وصَرَّفَ السُّلْطان نفعاً وضَرّاً، ووسع البيان نظما ونثرا، إلى أدب ليس للبحر تدفُّقه، ولا
للبدر تَألُّقه، وشِعْرٍ ليس للسحر بيانُهُ، ولا للنجوم الزُّهْرِ اقتِرانُه، وحظٍّ من النَّثر غريب المَباني،
شِعريِّ الألفاظ والمعاني.
وفيه يقول أبو نصر الفتح بن محمد في (القلائد):
ذو الوزارتين أبو الوليد بن عبد الله بن زيدون زعيم الفئة القرطبية، ونَشْأةُ الدَّولة الجَهْوَرِيَّة الذي
بهر في نظامه، وطلعَ كالبَدْر ليلَةَ تمامِه، فجاء من القوْل بسحرٍ، وقلَّدَهُ أبْهى نحر، لم تصرفْهُ إلاّ بين
ريحان وراح، ولم يطلعه إلاّ في سماء مؤانساتِ وأفراح، ولا تعدى به الرؤساء والمُلوك ولا تَرَدى
منه إلاّ حظوة كالشمس عند الدُّلوك، فشرف بضائعه، وأرهف بدائعه وروائعه، وكلفت به تلك الدولة
حتى صار ملهج لسانها وحل محل انسانها.
قلت أنا: وكانَ رَحِمَهُ الله شِهابَ ذكاءٍ متألقاً، وبحر بيان متدفقا، يقذف بلسانه من البيان لؤلوآ مكنونا،
ويَبُثُّ من البلاغة ضروبا وفنونا، وفيما أثبت له في التَّصانيف، وسطر في التَّواليف، من النَّظْم الذي
أرْهَفَه بالتَّهْذيب، وطرَّزَهُ بكُلِّ معنى عجِيب، وبناه من اللَّفظ الصحيح، ووشحه بالوَشي المليح، ونثره
البديع، المزري بالدُّرّ الرفيع، دليل على أنه كان يملك من البيان بحرا لا يُمْتَطى

الصفحة 546