كتاب كنز الكتاب ومنتخب الأدب (اسم الجزء: 2)

فاتهِ تُلف راحة ومحيَّا ... قدْ أَعدَّا لَكَ الحيا والحياء
فوافاه الطبيب المذكور، فألفى مجلسا قد اتْلَعَتْ أَباريقُه أَجْيَادَهَا، وأقامتْ به خَيْلُ السُّرُور طِرَادَها.
وأعطَتْهُ
الأماني انطباعَها وانقيادَهَا، وأهدت الدنيا ليومه مَوَاسِمَهَا وأَعْيَادَهَا، وخلعت عليه الشمسُ شُعَاعَها،
ونشرت فيه الحدائقُ ايناعها، فأدِيرَت الرَّاحُ، وتُعُوطيت الأَقْداح، وَخامر النُّفُوسَ الابتهاجُ والارتياحُ.
ؤأظهر المعتمد في ذلك اليوم من إيناسه، ما استرقَّ به نُفُوسَ جُلاَّسه. ثم دعا بكبير، فشَرِبَه عندما
تَناوله من يَدِ المُدِير. فكان كالشمس غَرُبتْ في ثِبير، وعندما تناوله قام الطبيب ينشد شعرا بمثله:
اشْرَبْ هنيئاً عَليكَ التَّاجُ مرتَفقاً ... في قَصْر حِمْصَ وَدَعْ غُمْدانَ لِلْيَمَنِ
فَأنتَ أَوْلى بتَاج الملْكِ تَلبَسُهُ ... مِنْ هَوْذَةَ بنِ عليٍّ وابنِ ذي يَزَنِ
فطرب المعتمد حتى زحف عن مجلسه، وأسرف في انبساطه وتأنُّسه. وأمر للطبيب المصري بخلعةٍ
لا تصلح إلاّ للخلفاء، فخلعت عليه، وأدناه حتى أجلسه مجلسَ الأكْفاءِ، وأَمَر له بدنانير عدداً، وملأَ
بالمواهب منه يداً.
قول الطبيب:
اشرب هنيئا عليك التاج مرتفقا
شطر بيت لأبي زمعة جد أمية بن أبي الصلت، من شعر قاله في معدي كرب بن ذي يزن، أوله:

الصفحة 551