كتاب كنز الكتاب ومنتخب الأدب (اسم الجزء: 2)

فحللتُ في ذلك المجلس، وفيه أخْدَانٌ، كأنهم الولْدَان وهُمْ في عيش لَدْن، كأنهم منه في جَنَّةِ عَدْن.
فأنختُ لَدَيْهم رَكَائبي وعَقَلْتُها، وقلّدت بهم رغائبي واعتقلْتُها. وأقمنا نتنعَّم بحسنه، طول ذلك اليوم.
ووافى الليل، فذُدْنا عن الجفون، طروقَ النوم. وبِتْنَابليلة كأن الصُّبْحَ منها مَقْدُود؛ والاغصان تميد
كأنها قدود. والمجرةُ تبصرها نَهراً؛ والكواكبُ تخالها في الجَوِّ زَهْراً. والثريا، كأنها راحة تشير؛
وعُطَارِِدُ، لنا بالطرب مشير. فلمّا كان من الغد، وافيتُ الرئيس أبا عبد الرحمن بن طاهر زائراً.
فأفضينا في الحديث، حتى انتهينا إلى ذكر منتزهنا بالأمس؛ وما نلنا من المسرات والأنس. فقال لي
الرئيس: وما بهجة مكان، قد بان قطينُه وَذَهَبَ؛ وسَلَبَ الزَّمَانُ بَهْجَتَه وانْتَهَبَ، وباد فلم يبقَ إلاَّ
رَسْمُهُ؛ ومحاه الحَدَثَان، فما يكاد يلوح وَسْمُه. عهدي به عندما فرغ من تشييده، وَتُنُوهي في تنميقه
وتنضيده.
وقد استدعاني اليه المنصور، في يوم حلت فيه الشمس بيت شرفها، واكتست الأرض بزخرفها.
فحللت به، والدُّوحُ تميس معاطفه؛ والنور يخجله قاطفه. والمدام تطلع فيه كواكبها وتغرب؛ وقد حلَّ
فيه قحطان ويَعْرب. وبين يدي المنصور، مائة غلام؛ ما يزيد أحدهم على العشر، غير أربع؛ ولا
يحل سوى الفؤاد من مربع. وهم يديرون رحيقا، خِلْتُهَا وكؤوسها دُرّاً

الصفحة 560