كتاب كنز الكتاب ومنتخب الأدب (اسم الجزء: 2)

وكرائمه، وشرب حتى أخذت منه الحميّا ثارها؛ وأبدت له الاماني اسفارها. فمشت بين يديه جارية، من تلك الجواري؛ وهي
كالشمس تحلت بالدراري، وعليها غلالة، لا تُخفي نضرة جسمها، وقد أسلبت ذوائب، يخفى ضوء
الشمس في مدلهمها. فسكب المعتمد عليها إناء ماء وَرْد، كان بين يديه. فامتزج الدَّلُّ ليناً واسْتِرْسَالاً؛
وتشاكل طيبا وجمالا. فأدركت المعتمد أريحيةُ الطرب؛ ومالت به راح الأدب فقال:
وَهَوِيتُ سَالِبَةَ النُّفُوسِ غَرِيرَةً ... تَخْتَالُ بين أسنّةٍ وبَوَاتِر
ثم تعذر عليه المقال؛ أو شغلته عنه تلك الحال. فأمر بعض الخدم، أن يسير إلى النَّحْلي، ويأمره
بإجازة البيت. فلما بلغ الرسول إلى النحلي، وأعلمه بالحال، وأضاف إلى البيت من حينه:
راقَتْ مَحَاسِنُهَا ورَقَّ أَدِيمُها ... فَتكَادُ تُبْصِرُ بَاطِناً من ظَاهرِ
وتَمَايلَتْ كالغُصْنِ هَزَّتْهُ الصَّبا ... والتَفَّ في وَرَقِ الشَّبَابِ الناضِر
يَنْدَى بِمَاء الوَرْدِ مُسْبِلُ شَعْرِهَا ... كالطلِّ يَسْقُطُ من جَنَاحِ الطَّائرِ

الصفحة 574