كتاب كنز الكتاب ومنتخب الأدب (اسم الجزء: 2)

مسكين المدني، وكان يوقِّع بالقضيب، مطبوعا حاذقا،
طيب العشرة، مَليح النادرة. فاقترح الرشيد حين عمل فيه النَّبيذ، صوتا. فأمر ابن جامع، صاحب
الستَّارة أن يغنيه إياه، ففعل؛ فلم يطرب عليه. ثم فعل ذلك بجماعة ممَّنْ حضر، فلم يحرك منه أحد.
فقال صاحب الستارة لمسكين المدني: يأمرك أمير المومنين، إنْ كُنت تُحسن هذا الصوت تُغَنيِّه. قال
إبراهيم: فاندفع فَغَنَّاه، فَأَمسكنا جَميعا متعَجِّبين، من جرأةِ مِثْله على الغِنَاء بحضرتنا، في صوت، قد
قصرنا فيه، عن مراد الخليفة.
قال إبراهيم: فلما فرغ منه، سمعت الرشيد يقول، وقد رفع صوته: أحسنت - والله يا مسكين -
وأجملت، أَعِدْه! فأعاده بِقُوَّة ونَشَاط، واجتماع قلب، فأحسن فيه كل الإحسان، فقال الرشيد: أحسنت -
والله يا مسكين وأجملت. ثم أمر برفع الستارة بيننا وبينه، فقال له مسكين: ياأمير المومنين، إن لهذا
الصوت خبرا عجيبا. قال: وما هو؟ قال: كنت عبدا خياطا لبعض آل الزبير، وكانت لمولاي عليَّ
ضريبة أدفع إليه كل يوم درهمين، فإذا فرغت من ضريبتي، تصرفت في حوائجي وكنت مولعا
بالغناء، ومحبا له. فخِطتُ يوما قميصا لبعض الطالبيين، فدفع إلي درهمين، وتغذيت عنده، وسقاني
أقداحا،

الصفحة 585