كتاب رسالة في حقيقة التأويل
فقد يتعاونون على تحصيل القوت ونحوه تعاون النحل والنمل، ولكنه لا يستطيع احدهم أن يطلع الآخر على ما اطلع عليه، إلا بان يذهب إلى ذلك الشيء حتى يوقفه عليه، فإذا كان الذي اطلع عليه الأول معنى من المعاني تعذر اطلاعه الآخر عليه.
نعم؛ هناك الإشارة، ولكنها ضئيلة الفائدة عسرة الفهم، وأنت ترى الأخرس وما يعانيه من مشقة الحياة وترى الغريب إذا دخل بلد قوم لا يعرفها ولا يعرف لغتهم ولا يعرفون لغته ما تكون حاله!
فيسر الله للناس بالكلام أن يطلع احدهم على جميع ما اطلع عليه ألوف منهم بأيسر وقت.
فالقضية التي لا يمكن أن يفهمها بالإشارة، أو يمكن أن يفهمها بعد صرف ساعة أو ساعتين بكلمة واحدة، وبذلك بلغ الإنسان إلى ما تراه من العلم والمدنية.
إذا فلولا الكلام لكان الناس كالأنعام.
فنعمة هذا شانها وخطرها ما عسى أن يكون حال من استعملها في نقيض مقصودها؟
ألا ترى لو أن امرأة سافرت برضيعها، فنزلت في بيت من مدينة، ثم تركت طفلها وخرجت، ولما أرادت الرجوع إلى البيت
الصفحة 20
138