كتاب رسالة في حقيقة التأويل

غالب الصفات يختلف تصورها تبعا لاختلاف تصور الموصوف بها، فيقال للصبي الغر والأعرابي الجلف: يد إنسان؛ فيتصور شيئا، ثم يقال يد فرس؛ فيتصور شيئا آخر، ثم يقال له: يد طائر؛ فيتصور شيئا ثالثا، وهكذا.
فإذا قيل له: يد الله، فقد يتخيل شيئا ما، فإذا رجع إلى عقله علم أن ذلك التخيل خرص وتخمين، ثم يقول: ما رأيت الله عز وجل، ولا رأيت ما يماثله، فكيف يتهيأ لي تصور يده؟
وهذه حقيقة متفق عليها بين العقلاء، وهي أن الإنسان لا يدرك إلا ما أحس به أو أحس بفرد أو أفراد مماثلة له، ولا يدرك ما أحس به أو أحس بما يماثله إلا ما تناوله الإحساس، ولا يدرك مما أحس بما يماثله إلا ما يعلم أنه قدر مشترك بينهما؛ فلسنا ندرك من صفات الله عز وجل إلا ما يتصف المخلوق بما يشبهه في الجملة، فاستدللنا بآثاره على وجوده؛ لأننا نعرف الوجود في الجملة بوجود الخلق الذين نحس بهم، ونعلم أن الأثر يدل على وجود مؤثر. وهكذا بقية الصفات التي تقدم ذكرها، مع العلم بأن صفات الرب عز وجل واجبة

الصفحة 67