كتاب رسالة في حقيقة التأويل

أثبت لله عز وجل يدا يلزمه أن يثبت له يدا من تلك الأيدي التي تخيل صورها العقل.
فلو أن رجلا خلق أكمه وكبر، وعلم الكلام ما عدا الألوان، ولم يخبر بأن الناس يبصرون، ثم قال له رجل بصير ذات يوم: هذا شيء أبيض، فإنه يقول: ما معنى أبيض، أكبير؟ فيقال: لا، فيقول: فصغير؟ فيقال: لا، فيقول: فأملس، فخشن، فجامد، فمائع؟ إلى غير ذلك من المعاني التي قد عرفها وأحس بها.
فإذا قيل له في كل ذلك: لا، لا! قال: فهذا عدم! وإن كان قد أُخبر بالألوان، وتواتر عنده أن الناس يبصرون وأن للأشياء ألوانا، فإنه يصدقهم، ولكنه لا يستطيع تصور ذلك.
فهذا مثل الإنسان إذا أخبر بصفات الرب عز وجل، وكأنه لهذا المعنى زعم بعض المتكلمين أن رؤية المؤمنين لربهم عز وجل في الآخرة إنما تكون بحاسة سادسة يخلقها لهم!
ولبيان خطئه أضرب مثلا ثانيا:
افرض أنه لا يوجد في الدنيا من الألوان إلا السواد والبياض، ثم أخبر إنسان بأن هناك شيئا يُرى، أليس يقول: أسود؟ فإذا قيل: لا! فيقول: أبيض؟ فيقال: لا، فيقول فليس في الوجود شيء يُرى إلا أبيض أو أسود!

الصفحة 71