كتاب رسالة في حقيقة التأويل

إلا في موضع حسن جميل، وليس أمامه موضع كذلك، فلا يزال كلما أتى على موضع لم يره على الشرط حتى يعقله التعب والاعياء؛ فينزل ويسلي نفسه ويغالطها، يزعم أن ذلك الموضع حسن وجميل.
وأنت إذا كنت قد وقفت على بعض الكتب المطولة في الفلسفة وتدبرتها تحققت هذا المعنى، ولا تكاد تجد شبهة عقلية قد قررها أحدهم على أنها برهان قاطع إلا وجدت غيره قد نقضها، ثم يجيء ثالث فيدفع هذا النقض، فيجيء رابع فيرد ذلك الدفع، وهكذا.
حجج تهافت كالزجاج تخالها ... حقا وكل كاسر مكسور
ثم اعلم أن أعظم ما يستندون إليه هو الاستقراء؛ فيستقرئون ما يدخل تحت حواسهم حتى تنتظم لهم مقدمة كلية بالنسبة إلى ما استقرؤوه، ثم يزعمون أنه لا يخرج موجود عن تلك الكلية، وذلك أمر بديهي البطلان؛ فإنهم يقولون: الحيوان كله يحرك فكه الأسفل إلا التمساح، فلو فرضنا أنهم لم يروا التمساح ولا سمعوا به - كأن كان في أمريكا فبل اكتشافها - فهذا الاستقراء يكون في زعمهم

الصفحة 75