كتاب شرح العقيدة السفارينية

الذي يقتضيه العقل أن ما لم يبلغك خبره في أمر غائب عنك أن تتوقف فيه، وأما أن تثبته مع نفي الله له، فهذا زيادة في العدوان.
فالحاصل أن قول المؤلف رحمه الله (لا نرد ذاك بالعقول) يشير به إلى رد قول من يقول: إن المرجع في صفات الله إلى العقل، ونقول هلم:
أولا: أن هذه القاعدة باطلة من أساسها لأنها تقتضي تقديم المعقول على المنقول، والعقل يقتضي تقديم المنقول على المعقول.
ثانيا: أن هذه القاعدة تبطل الاعتماد على العقل؛ لان العقل يقتضي أن ما طريقه الخبر المجرد يعتمد فيه على النقل وعلى الخبر ما دامت العقول لا تدركه، فالواجب أن يعتمد على ما اخبر الله به عن نفسه أو أخبرت به عنه رسله.
ثالثا: أن نقول: تحكيم العقل في هذا الباب تحكيم من لا يحيط بالحكم علما؛ وذلك لان ما يصف الله به نفسه لا يمكن للعقل أن يدركه، فإذا كان الله يقول: (لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ) (الأنعام: الآية 103) ، والإدراك بالبصر إدراك بمحسوس، فكيف تدركه العقول؟ ! العقول لا تدركه كنه حقيقة صفات الله عز وجل أبداً، قال تعالى: (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ) (الشورى: الآية 11) .
رابعا أن هذه العقول التي زعمتم إنها مرجع ومحكم في صفات الله عقول متناقضة؛ لان هؤلاء العقلاء - كما يدعون - يتناقضون، فنجد بعضهم يقرر وجوب ذلك عقلا، والآخر يقرر امتناع ذلك عقلا، وفرق واسع شاسع بين الواجب والممتنع، وكل منهم يدعي أنه من ذوي العقول، هذا يقول: هذا ممتنع على الله ولا يجوز وصفه به، وهذا يقول: هذا واجب لله فيجب

الصفحة 112