كتاب شرح العقيدة السفارينية

نحن أبعد الناس عن التمثيل، والممثل حقيقة هو الذي صرف النصوص عن ظاهرها، فهذا الذي جعل النصوص دالة على التمثيل هو الذي صرفها عن ظاهرها؛ لأنه لم يصرفها عن ظاهرها إلا حيث اعتقد أن ظاهرها يقتضي التمثيل، فلما اعتقد هذه العقيدة الباطلة ذهب يصرفها عن ظاهرها، ولهذا نقول: كل معطل فهو ممثل؛ لأنه لم يعطل إلا حيث اعتقد أن ظاهرها التمثيل فذهب يصرفها عن ظاهرها ويعطل مدلولها عما أراده الله.
أما القائلون بتحكيم العقل فهم الجهمية والمعتزلة والأشاعرة والماتريدية، وكل أهل التأويل يقولون بتحكيم العقل في هذا الباب، وسيأتي إن شاء الله في كلام المؤلف رحمه الله أن الأشاعرة لا يثبتون من الصفات إلا سبعا؛ ادعوا أن العقل يقتضيها، وأنكروا بقية الصفات بحجة أن العقل لا يقتضيها، ولكننا نقول بان العقل يؤيد ما جاءت به النصوص من هذه الصفات الكمالية، التي اتصف الله سبحانه وتعالى بها.
قال: (ولا نرد ذاك بالعقول) أما الذين رجعوا إلى العقول فقد ردوها؛ لأنهم أنكروا دلالتها على المراد بها. فمثلا قالوا في قوله تعالى: (وَجَاءَ رَبُّكَ) أي وجاء أمر ربك، فردوها، إذ قالوا: نحن لم نردها ولم نكذب بمجيء الله، ولكن المراد بمجيئه مجيء أمره، وما هذا في الحقيقة إلا رد؛ إذ ما معنى الرد إذا لم يكن هذا ردا؟ فربنا عز وجل يقول: (وَجَاءَ رَبُّكَ) وانتم تقولون: لم يجئ ربك، بل الذي جاء أمره - سبحان الله! - هل الله يبين لعباده خشية أن يضلوا، أو يعمي على عباده ليضلوا؟!
الجواب: الأول بلا شك قال تعالى: (يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا) (النساء: الآية 176) ، فلو كان الله يريد بقول: (وَجَاءَ رَبُّكَ) : وجاء أمر ربك لكان هذا ابلغ ما يكون في التعمية، ولكان هذا من عدم البيان، بل من التلبيس على

الصفحة 115