كتاب شرح العقيدة السفارينية

العباد، وإذا كان الله سبحانه وتعالى أوجب على عباده أن يعرفوه بصفاته فكيف يقول: (وَجَاءَ رَبُّكَ) وهو يريد وجاء أمر ربك؟!
فإذا قال قائل: إن الله يقول: (أَتَى أَمْرُ اللَّهِ فَلا تَسْتَعْجِلُوهُ) (النحل: الآية 1) فيجب أن نحمل (وَجَاءَ رَبُّكَ) على هذه الآية؟
فالجواب: أن هذه الآية التي استدللتم بها حجة عليكم وليست حجة لكم، لان اختلاف التعبير في الموضعين يدل على أن احدهما غير الآخر، فلو كان الله يريد بقوله: (وَجَاءَ رَبُّكَ) : وجاء أمر ربك، لقالها، كما قاله في الآية الثانية (أَتَى أَمْرُ اللَّهِ) .
ثم إن الله قال: (وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفّاً صَفّاً) (الفجر: 22) ، ومعلوم أن الذي جاءهم الملائكة أنفسهم وليس أمرهم، ففي الآية أيضا قرينة لفظية تدل على امتناع تفسيرها بمجيء أمره.
ولا تعجب أن يكون كل دليل استدل به المبطل دليلا عليه؛ لان استدلاله به يدل على أنه فيه إشارة إلى هذا المعنى لكنه إشارة على غير ما أراده. وقد التزم شيخ الإسلام رحمه الله في كتابه: درء تعارض العقل والنقل بألا يأتي مبطل بحجة يحتج بها على باطله إلا جعلها دليلا عليه لا له (¬1)
إذاً: نقول للذين يحكمون العقل: إنكم انتم الذين خرجتم بآيات الصفات وأحاديثها عن ظاهرها، أما نحن فإننا أخذنا بظاهرها لان الله تعالى إنما انزل الكتاب تبيانا لكل شيء، وأراد من عباده أن يهتدوا بهذا القرآن لا أن يضلوا فيه، وإذا كنتم انتم تعملون بظاهر النصوص في العبادات
¬_________
(¬1) انظر درء تعارض العقل والنقل.

الصفحة 116