كتاب شرح العقيدة السفارينية

كذلك أيضا الجهة، هل الله في جهة؟ نقول: أما اللفظ فإننا نتوقف فيه، وما لنا وله! وأما المعنى فنستفصل: ماذا تريد بالجهة؟ إن أردت أن الله تعالى في جهة تحيط به إحاطة الظرف بالمظروف فهذا ممتنع وباطل، وإن أردت بذلك جهة سفل ومخالطة للمخلوقات فهذا أيضا باطل وممتنع على الله، فليس الله في جهة السفل وليس في جهة تحيط به إحاطة الظرف بالمظروف، وإن أردت أنه في جهة عليا عدمية لا تحيط به، ما ثم إلا هو عز وجل فهذا حق، والنبي عليه الصلاة والسلام اعلم الخلق بالله قال للجارية: ((أين الله) ؟ قالت: في السماء (¬1) . فاستفهم باين التي يستفهم بها عن المكان، والمرأة أجابت بفي الدالة على الظرفية، أي: الظرفية العدمية، يعني: لا شيء محيط بالله، فما ثم فوق المخلوقات إلا الله عز وجل.
وفي خطبة يوم عرفة التي لم يشهد النبي صلى الله عليه وسلم ولا المسلمون اجتماعا أعظم منها ولا اكبر منها في عهد الرسول عليه الصلاة والسلام، قال وهو يخطب الناس: ((ألا هل بلغت) ؟ قالوا: نعم، فقال: ((اللهم اشهد) يشير بالسبابة إلى السماء وينكث بها إلى الناس. ((ألا هل بلغت) قالوا، نعم. ففعلها مرة أخرى: ((ألا هل بلغت) ؟ (¬2) قالوا: نعم ففعلها ثلاث مرات. وهذه الإشارة تعني أن الله في جهة وهي جهة العلو.
فالحاصل انك إذا أردت بالجهة جهة علو عدمية، أي ليس فوق إلا الله وحده فهذا صحيح، ومع ذلك ونظرا لكون البسطاء من الناس يفهمون من
¬_________
(¬1) رواه مسلم، كتاب المساجد، باب تحريم الكلام في الصلاة ونسخ ما كان من إباحته، رقم (537) .
(¬2) رواه مسلم، كتاب الحج، باب حجة النبي صلى الله عليه وسلم، رقم (1218) .

الصفحة 120