كتاب شرح العقيدة السفارينية

المخلوق مخلوقا بائنا منفصلا عن خالقه، كما لو قلنا: صانع ومصنوع، فإننا إذا قلنا مثلا هذا صانع للقدر، فالقدر ليس من صفاته بل هو بائن عنه.
إذا فالمخلوق الذي خلقه الله بائن عن الله عز وجل، ومن المعلوم أن الكلام معنى يقوم بالغير، وليس عينا قائمة بنفسها، فإذا أضافه الله إليه فهو من باب إضافة الصفة إلى موصوفها.
أما بالنسبة لقولهم: أن الله انزل الحديد والأنعام والمطر وهي مخلوقة، فنقول: هذه أعيان قائمة بنفسها، لا يصح أن تكون صفة لله عز وجل، بخلاف الكلام.
إذا ما احتجوا به فهو باطل، وهم إذا أنكروا كلام الله الذي هو وصفه وقالوا إنه مخلوق، فإن إنكارهم هذا في الحقيقة يقتضي إنكار الشرع والقدر، لأنه يقتضي أن تكون المخلوقات بغير كلام الله، بل بمخلوق مثلها، ويقتضي أيضاً أن يكون الشرع بغير وحي الله، بل بمخلوق من المخلوقات، ولا يقتضي إلزام الناس به لأنه مخلوق.
ولهذا ذكر ابن القيم رحمه الله في النونية (¬1) أن هذا القول يترتب عليه إبطال الخلق والأمر جميعا، لأنه لا يكون الخلق بقوله: ((كن)) ، ولا الشرع بقوله: ((افعلوا)) ، وإنما بأشياء مخلوقة بمخلوقة، وهذا إبطال للشرع والقدر.
وقد ذكرنا انه يلزم على قولهم - غير ما ذكر ابن القيم رحمه الله من إبطال الشرع والقدر - أن يكون كل كلام الناس كلام الله، لأنهم إذا ادعوا أن الكلام المخلوق يكون كلاما لله، فنقول: إذا كلام المخلوقات كلام لله لأنه
¬_________
(¬1) أنظر القصيدة النونية 1/127

الصفحة 178