كتاب شرح العقيدة السفارينية

فهذا أعرابي استدل بعقله الفطري على أن هذه الحوادث العظيمة تدل على خالق عظيم عز وجل، هو السميع البصير.
فالحوادث دليل على وجود المحدث، ثم كل حادث منها يدل على صفة مناسبة غير الوجود، فنزول المطر يدل بلا شك على وجود الخالق، ويدل على رحمته، وهذه الدلالة غير الدلالة على الوجود. وكذلك وجود الجدب والخوف والحروب تدل على وجود الخالق، وتدل على أمر ثان وهو غضب الله عز وجل وانتقامه، فكل حادث له دلالتان؛ دلالة كلية عامة تشترك فيها جميع الحوادث، وهي وجود الخالق، أي وجود المحدث، ودلالة خاصة في كل حادث بما يختص به؛ كدلالة الغيث على الرحمة ودلالة الجدب على الغضب، وهكذا.
كذلك فإن هناك أدلة أخرى على وجود الخالق؛ فجميع الشرائع دالة على الخالق، وعلى كمال علمه، وحكمته، ورحمته؛ لان هذه الشرائع لابد لها من مشرع، والمشرع هو الله عز وجل.
وأيضا فإن هناك دلالة أخرى وهي النوازل التي تنزل لسبب، فهي دالة على وجود الخالق؛ مثل دعاء الله عز وجل ثم استجابته للدعاء، فهو دليل على وجوده عز وجل، وهذه وإن كانت من باب دلالة الحادث على المحدث لكنها أخص، ولهذا لما دعا النبي صلى الله عليه وسلم الله أن يغيث الخلق قال: ((اللهم أغثنا اللهم أغثنا)) (¬1) . ثم نشأ السحاب وأمطر قبل أن ينزل من المنبر، وهذا يدل على وجود الخالق، وهذا أخص من دلالة العموم.
¬_________
(¬1) رواه البخاري، كتاب الجمعة، باب الاستسقاء في خطبة الجمعة، ... ، رقم (1014) ، ومسلم، كتاب صلاة الاستسقاء، باب الدعاء في الاستسقاء، رقم (897) .

الصفحة 44