كتاب شرح العقيدة السفارينية

ووجه آخر أن العلماء رحمهم الله اتفقوا على جواز الدعاء بالرحمة لأي شخص من المؤمنين، واختلفوا في جواز الصلاة، وهذا يدل على أن الصلاة غير الرحمة، فالرحمة عامة، والصلاة أخص من مطلق الرحمة، والصحيح جوازها ما لم يتخذ شعارا لهذا الشخص المعين، فإن اتخذ شعارا لهذا الشخص المعين فهو ممنوع، لأنه خصه بخصيصة يفهم منها معنى فاسد.
فالصلاة إذا ثناء الله على عبده في الملأ الأعلى، فإذا صليت على النبي صلى الله عليه وسلم، فقلت: اللهم صل على محمد، فالمعنى: اللهم أثن عليه في الملأ الأعلى، فإن قلت ذلك مرة فإن الله يصلي عليك عشرا، يعني إذا سألت الله أن يثني على رسوله مرة واحدة أثنى الله عليك عشر مرات.
وقوله: (والسلام) بمعنى السلام من كل آفة، والسلام على الرسول صلى الله عليه وسلم من كل آفة.
فإن قال قائل: إن النبي صلى الله عليه وسلم قد مات، فما معنى الدعاء له بالسلامة؟
فالجواب: أن دعاءنا له بالسلامة يشمل السلامة في الدنيا والسلامة في الآخرة.
ففي الآخرة: إذا لم يسلم الله البشر هلكوا، ولهذا كان النبي يمرون على الصراط، وكان دعاء الأنبياء يومئذ: ((اللهم سلم اللهم سلم)) (¬1) .
وفي الدنيا: ندعو أن الله يسلم الرسول عليه الصلاة والسلام، وذلك بان يسلمه من العدوان عليه، أي على جسده، أفليس قد ذكر في التاريخ أن رجلين أرادا أن يستلبا جسد النبي عليه الصلاة والسلام؟ إذا فنحن ندعو الله
¬_________
(¬1) رواه البخاري، كتاب الأذان، باب فضل السجود، رقم (806) ، ومسلم، كتاب الإيمان، باب معرفة طريق الرؤية، رقم (182) .

الصفحة 52