كتاب شرح العقيدة السفارينية

ولو أمر بمنكر بأن قال مثلاً: يا فلان في البلد نصارى كثيرون، والنصارى لا يحرمون شرب الخمر، فافتح لهم معملاً للخمر حتى يشربوا، كما أنك تشرب المرطبات، وما أشبهها، فلا يطاع في ذلك حتى ولو أمر به؛ لأن هذا معصية لله عز وجل، وقد قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ) (النساء: الآية59) فلم يعد الفعل مع أولي الأمر، ولم يقل: وأطيعوا أولي الأمر، فدل ذلك على أن طاعة ولاة الأمور تابعة لطاعة الله ورسوله، فإذا أمروا بالمعصية فلا سمع ولا طاعة.
أما إن اكرهوا على المعصية، مثل أن يقولوا: احلق لحيتك وإلا حبسناك، فإنه تباح المعصية للإكراه؛ لأن الله أباح الكفر للإكراه، لكن بشرط أن يكون القلب مطمئناً بالإيمان، فهنا أيضاً المعصية إذا أُمرت بها وأكرهت عليها فافعل، بشرط أن يكون قلبك مطمئناً بأن هذا معصية لله، ولولا الإكراه ما فعلت.
وهذا من رحمة ارحم الراحمين سبحانه وتعالى، إن الإنسان عند الإكراه يفعل ما اكره عليه.
لكن إذا اكره الإنسان على الفعل فهل يفعله دفعاً للإكراه أو يفعله للإكراه؟ قال بعض العلماء: لابد أن ينوي أنه يفعله دفعاً للإكراه لا للإكراه ولكن الصحيح أنه ليس بشرط أن يفعله دفعاً للإكراه، بل الشرط أن يكون قلبه مطمئناً بالأيمان وبحكم الله عز وجل؛ لأن كونه يريد بذلك دفع الإكراه لا يتسنى لكل أحد، فلا يتسنى إلا لطالب علم يعرف، ثم إن طالب العلم قد يكون المقام لهوله وشدته منسياً له عن هذه الإرادة، فالصواب أنه يفعله

الصفحة 690