كتاب التضمين النحوي في القرآن الكريم (اسم الجزء: 1)

راشدة، وقد يزيد التوتر حين لا يكون التوازن إلا حالة مؤقتة من الاستقرار، لوقوع تنافر بين دلالتين أو أكثر، قَالَ تَعَالَى: (وَتَرْغَبُونَ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ) (¬1).
وكل لفظة تختزن طاقة تُعطيها، أو جزءاً منها حسب وضعها في النظام، وما يتوفر لها من تعاون وانسجام مع بقية المفردات في الجملة وما يتهيأ لها من حسن الجوار، وربما تحتفظ بهذه الطاقة المختزنة عند شعورها بالقلق أو الضيق في نظام معين وقد تتبدد أو تهدر إذا حُشرت في بيئة غير بيئتها، ففي قول إبليس (أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ) (¬2) أين هذه الخيرية بجوار أنا الإبليسية؟ لقد أهدرت طاقتها البيئةُ المحمومة في الجوار المشؤوم، وأين رصيد العزة والكرامة في سياق الحميم يُصب على رأس المشؤوم يتلقاه بأرهف حواسه، حاسة الذوق؟ (ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ) (¬3) لقد أُهدرت كل طاقة للفظ العزيز الكريم في مذاق الماء الحميم، وما حظ الكافر من (الثواب) في عمله؟ (هَلْ ثُوِّبَ الْكُفَّارُ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ) (¬4) إنه العقاب لا غير.
ونَقْلُ حقيقة ما من واقع الحياة المحسوس إلى نظام مكتوب أو مقروء هو الصنعة البيانية أو الصياغة الفنية في يد القوة المصورة تكشف الجمال، جمال النظام اللغوي، وتعلن الأسرار، أسرار الحكمة الغامضة في اختيار اللفظ الملائم، وتضع الإشعاع في التشكيل الصوتي وهو واحد من أشكال الطيف اللغوي (¬5).
¬_________
(¬1) النساء: 127.
(¬2) الأعراف: 12.
(¬3) الدخان: 49.
(¬4) المطففين: 36.
(¬5) وتساهم في الصفات الصوتية من إظهار وإخفاء، من جهر وهمس، من شدة ورخاوة، من تفخيم وترقيق، من استعلاء واستفال، ثم الحركات العضوية في مخارجها من أقصى الحلق إلى وسطه، فأعلاه، وأطراف الثنايا، وحافة اللسان، ووسطه، ورأسه، والشفتين و ...

الصفحة 11